أخر الاخبار

ترويض ادم للكاتبة بتول طه الفصل التاسع عشر

الفصل السابق

ترويض ادم للكاتبة بتول طه


الفصل التاسع عشر

الجزء التاسع عشر


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


"أنت رايح فين؟!" سألته متعجبة بخوف ولم يجيبها، هو حتى لم ينظر لها كأن بجانبه هواء وفراغ، فقط رماديتاه مثبتتان على الطريق وقبضته على المقود منطلقاً بسرعة جنونية وبالكاد يتمالك أعصابه.

تطلعت شيرين لتلقي نظره على الطريق وقد أدركت أنه طريق سفر ليزيد فزعها


"أرجوك ارجع يا آدم" توسلت له وسط فزعها ولكن لا حياة لمن ينادي "طب على الأقل قولي احنا رايحين فين لو سمحت" نادته بخضوع ولكنه ليس في مزاج لائق لحيلتها هذه وخضوعها المفاجئ.. فإذا أرادت أن تخضع لكان منذ زمن ولكنها تأخرت كثيرا.. فلقد فات الوقت.


أمعنت هي النظر بعسليتاها البريئتان الفزعتان لملامحة الغاضبة وعيناه اللتان يفيضان شراً وهدوء أنفاسه وتملكه للموقف، طغى غروره وتسلطه على جلسته، طريقته في الإمساك بمقود السيارة، غموضه الذي يخبأ خلفه ما لا يعلمه أحد، فهي تراه الآن آدم رأفت رجل الأعمال والممثل الشهير، الوحش الذي لن يُروض، منطلق تماماً كالفرس الجامح الذي لا يستطيع أحد أن يوقفه أو يتحكم به، لن يردعه شيء ولن يسطير عليه، حتى شيرين نفسها فبالرغم من عشقها له وعشقه لها هيهات أن تغيره أو أن توقفه


"طب.. طب.. متردش عليا بس، بس أنا حبيت أعرفك إني هاعمل اللي أنت عايزه، هارجع الشغل معاك، تعالى بس نرجع دلوقتي وكل حاجة هتكون كويسة!!" همست وهي تظن أن بمجرد قولها قد يهدأ أو ينظر لها أو حتى يتحدث لها أو يعود ويفتعل جدالاً، اعتقدت أن تلك الحيلة ستجدي ولكنه ظل صامتاً وعيناه مثبتتان على الطريق دون أن ينبس ببنت شفة، قبضته تقوى على مقود السيارة ولا زال بتلك السرعة الجنونية ليبلغ الرعب مبلغه منها


"آدم خلاص.. قوللي على اللي أنت عايزه وأنا هاعمله" أخبرته برضوخ كي تحاول أن تعيده عما يُفكر به وليشرد قليلاً بقبولها هذا بعد رفضها لعله يقتنع بما تفعله ولكنه نظر لها مستهزءاً بغرور وتعالت ضحكاته


"جاية تقولي الكلام ده دلوقتي.. أتأخرتي اوي!! وأنتي كان قدامك فرصة وضيعتيها من ايدك"


"فرصة ايه؟ مش قولتلي انك عايز تتكلم؟أنت حتى متكلمتش معايا بطريقة هادية.. كل اللي قولته هو إنك اجبرتني أرجع الشغل معاك! أنت مفكرتش بعقل أصلاً؟جاي تقولي دلوقتي إني كان قدامي فرصة وضيعتها!!" تعجبت من كلامه لتفكر


"لا ده فعلاً مجنون، مين اللي ضيع فرصة الكلام، أنا ولا المجنون ده؟؟ كان مستني مني اترجاه واتحايل عليه ولا ايه بالظبط؟ طب ما أنا لسه كنت عمالة اتحايل عليه اهو!! ولا كان فاكر إنه أول ما يقولي هترجعي في ثانية كده هقوله طيب حاضر ماشي!! للدرجادي عايز يفرض غروره وتحكمه؟ لأ، ده أكيد مش بيعمل كده عشان الشغل، هو بس عايز يسيطر على كل حاجة ويتحكم فيا عشان أنا رفضته! ويخربيت كده بقا هو رايح فين أنا زهقت؟ وبعدين بعد كل ده أخرتها ايه أنا راسي وجعتني بجد من كتر التفكير؟ مقرف وبارد ومغرورومتحكم بطريقة مقرفة!!!" تذكرت كل شيء فعله على مدار شهور.. كل لحظة تحكم بها وفرض سيطرته عليها.


شردت في الطريق ثم دفنت رأسها بين يديها لا تعلم كيف تتعامل معه وأدركت أنها فشلت فشلاً ذريعاً بكل ما حاولت فعله الفترة الماضية رغم صعوبته عليها، فليس من السهل أن تبتعد عنه، إنه ليس أمراً يسيراً أن تتركه بعد ما رأت بأم عينيها كيف تتهشم روحه لأشلاء، كلما تذكرت كيف أخبرها بألا تتركه وهو بين أحضانها تشعر بإعتصار فؤادها من أجله.. فشلت بكل شيء فهي تعشقه ولا تقدر أن تظل وتستمر معه ولا تستطيع أن تبتعد عنه ولكن بدا لها أن البُعد هو أنسب الحلول حتى تُحافظ على ما تبقى لها من روح، فعشق وحش مثله سيقتلها باليوم ألف مرة.


كم تمنت أن تحتضنه بدون جدال.. دون تحكم وسيطرة.. أرادت آدم الذي يموت قلقاً وخوفاً عليها، أرادت هذا الذي همس لها بألا تتركه أو تغادره، أرادت أن تتلمس صدره مجدداً لتجد قلبه يخفق لها بجنون، كم أشتاقت لكل شيء به، نعم هي لا تقبل ما يفعله ولكن سيبقى الحب ليتوغل بأعماقها يوماً بعد يوم بالرغم من كل شيء.


"عايز كله يكون جاهز في ربع ساعة" فقاقت من شرودها على صوته المغرور ونبرته الآمرة كمن يُعامل الجميع كعبيد لديه


"انتهت العبودية من زمان يا متحكم يا مغرور يا قليل الذوق أنت" صرخ عقلها معترضاً وهي تنظر له متسائلة لتحاول فهم أي شيء مما يفعله ولكنها باءت بالفشل


"عايز عشرين راجل" أكمل حديثة إلي الطرف الآخر ليزيد تعجب وخوف شيرين وهو يتكلم بحزم


"عشرين راجل ليه؟ أنت هتعمل فيا ايه؟ّ أنت هتفضل كده لغاية امتى؟ تعرف إني ممكن ارفع عليك قضية عشان واخدني معاك بالإكراه! يا اخي ده أن فظيع ومقرف جتك القرف!!" سألته ثم رأته يغلق هاتفه لتجد نفسها تلعن هذا اليوم الذي قبلت بالعمل معه لتستمع لضحكاته التي تعرفت عليها مؤخراً فهو لم يفعلها إلا اليوم، لم تعلم هل تغير؟ وتغير ليصبح من؟ زاد تفكيرها وطال صمته ثم فاجئها بصوته الأجش


"متقلقيش.. قربنا نوصل خلاص" اجابها بشبح ابتسامة ثم أردف "وأعدك أن تُحاسبي على سبابي المتواصل" نظر لها بشر لترتعب


"آدم!! بطل بقا تصرفاتك الغريبة دي وسيبني في حالي، أنت عايز ايه بالظبط؟ مش مكفيك كل اللي حصل ما بيننا؟ ايه ناوي تقتلني دلوقتي ولا تخطفني؟ ولا محضر مفاجأة ايه ومش قايلي عليها؟!! ما تنطق وتتكلم وتقول حاجة يا بارد أنت" صرخت به بفزع وغضب بنفس الوقت فلقد خافت ممن يجلس بجانبها


"اسمعني كويس!! لآخر مرة هقولك، سيبني في حالي وابعد عني، واوقف واركن على جنب وأنا هاتصرف وهاعرف ارجع لوحدي وإلا والله أرفع عليك قضية علشان اللي بتعمله ده اسمه خطف!!" لم تدري من أين أتت شجاعتها وجرأتها بالحديث مجدداً بعد أن فكرت أن تتوسل له وتترجاه، فهذا طبعها ولن تتغير هي الأخرى.


"اعقل بقا واسمعني.. تعالى نرجع وكل حاجة هتكون كويسة وأنا هنسى كل اللي حصل حتـ.."


"اللي حصل!!" قاطعها مبتسماً بمكر لترتعب هي "ده لسه هيحصل.. أنتي لسه مشوفتيش حاجة" توسعت ابتسامته وفجأة رأته ينعطف بالسيارة يميناً لتنظر حولها بسرعة فقد لمحت زرقة البحر من بعيد وتوجهت السيارة في مدخل يحاوطه الأشجار من كل ناحية لتصل لبوابة ضخمة وترى عليها أربعة حراس مفتولي العضلات وأجسادهم عملاقة بشكل مخيف، فتحت البوابة تلقائياً ثم دخلت لترى قصراً مماثلاً لقصره ولكن أصغر في الحجم فكل شيء منمق ومعد بعناية لتجد آدم يتوقف بالسيارة لتترجل منها بسرعة ولكنها وجدته يلحقها ثم جذبها من يدها بعنف لتدخل معه.


جذبها ثم سارا لتلمح الأثاث فكل شيء طرازه حديث وعصري ولكنها وجدت سواد مجدداً! لم تركز في التفاصيل من فزعها من قبضته على يدها ثم دخل احدى الغرف لُيلقيها على السرير بشدة ثم تركها مغادراً وقد أغلق الباب خلفه وسمعت صوت المفتاح


"أنت يا مجنون أنت هتحبسني هنا ولا ايه؟" صرخت به ولكنها سمعت خطواته لتدرك أنه يتجه بعيداً


"الله يسامحك يا يوسف أنت السبب في كل اللي بيحصلي ده" تمتمت وسط خوفها لتطلع الغرفة حولها المتشحة بالسواد والقليل من التفاصيل الرمادية


"ألوانك باردة زيك يا لوح التلج" تمتمت بإمتعاض ثم نظرت حولها لتجد شرفة ففكرت بالهرب وما أن خرجت لتجد منظر البحر بزرقته ورائحته والهواء يحاوطها من كل جانب فأدركت أنه أخذها بعيداً جداً ثم اكملت لتخرج ولكنها وجدت حارسان يتوقفان بجانبي الدرج الذي يقود لحديقة ولكنها ليست بحجم الأخرى التى رأتها عند المدخل منذ قليل فكانت هذه أصغر حجماً فعلمت أنها محاصرة..


عاودت أدراجها للداخل لتنظر للغرفة فليس بها شيئاً غير أريكة ضخمة حديثة الطراز ولكنها سوداء أمامها منضدة صغيرة من الزجاج والخشب الأسود ببضع تفاصيل رمادية.. نظرت للسرير وبجانبه خزانتان صغيرتان كل منهما على جانب مشت قليلاً لتجد بابان فتحت احداهما لتجدها غرفة بداخل غرفة وكل ملابسه منمقة بعناية ومنظمة وتسللت لأنفها رائحة النعناع المنعش فتذكرته ثم غادرت منزعجة لتفتح الباب الآخر لتجد أنه الحمام! "لا ده أنت شكلك حابسني بجد!! الله يحرقك يا بعيد!"


تمتمت ثم توجهت وجلست على الأريكة لتتكور على نفسها وأخذت تفكر ماذا سيفعل بها وإلي متى ستظل حبيسة هكذا.


عمل آدم على أن يطمئن بعدد الحراس وإعطائهم آوامره بألا يدعوها تذهب مهما حدث وإذا حدث تغيير سيعطيهم آوامر جديدة.. توجه لبار بغرفة مكتبه كما اعتاد على أن يملك واحداً بكل منزل لديه لتشتعل أفكاره..


"لسانها ده عايز القطع.. حاسس إني ممكن اموتها بإيدي دي لو عكت في الكلام أكتر من كده! أنا جبتها هنا ليه؟ ايه اللي حصلي لما شوفتها النهاردة؟ الزفتة دي بتجنني وبتخليني اخد قرارات في ثواني!!بس لأ أنا مش هاكون ضعيف قدامها المرادي، لازم تعرف هي بتتعامل مع مين، قولتلك يا شيرين قبل كده متسبينيش وتمشي، وأعترفتلك بحاجات كتير اوي، كفاية بقا!!.. أنا سيبتك تتحكمي فيا أكتر من اللازم! أنا هوريكي أنا هاعمل فيكي ايه عشان تاني مرة متكرريهاش!"


فكر آدم بحنق وعصبية وتملكه الغضب ثم صب كأساً آخر ليتجرعه بنفاذ صبر وأطفأ سيجارته ثم توجه للغرفة وفتح الباب ودخل عليها لينظر لها وقد اعتراها الخوف والفزع ليبتسم برضاء ولكن كل ما رآته أمامها هو وحش بغيض مغرور..


أغلق الباب بالمفتاح ثم وضع اياه ويداه بجيوبه ليتفحصها وقد لمعت عيناه


"أنت هتعمل فيا ايه؟ أنا عندي شغل بكرة ولازم أكون الصبح في الكلية.. احنا هنفضل هنا لأمتى؟" تسائلت بخوف وصوت مرتجف


"عايزة تعرفي أنا هاعمل فيكي ايه؟ هاعمل فيكي كل حاجة بتكرهيها.. وهنفضل هنا لغاية ما نموت.. ويولع شغلك بجاز وسخ" أجابها آدم بخبث وغموض ليبعث الرعب بها أكثر.. وأكمل تفحصه لها ولحالتها تلك ليبتسم ابتسامة رضاء كأنه خرج من الجحيم للنعيم لتوه.


"آدم كفاية ألغاز ولو سمحت تعالى نمشي من هنا وتعالى نرجع" أخبرته متوسلة ولكن لم يتغير به شيئاً وظل هكذا لدقائق وبسمته الماكرة لم تتضائل.


توجه للشرفة ثم أغلقها بإحكام وأسدل ستائراً رمادية اللون فشعرت شيرين كأنها انقطعت عن العالم ولم تدري لماذا! فهي بالأساس في منزله بعيداً جداً عن كل شيء ومحاصرة كن الحراس في كل مكان على ما يبدو وحتى أشيائها قد نستهم بالسيارة لتعترف أنها غبية.


توجه ليقف أمامها وعيناه تُفيضان مكر وخبث وبسمته المغروره لم تغادر شفتاه ليبعث الرجفة لقلبها


"أنت.. فاكر.. نفسك.. هتعمل.. ايه.. أنت عايز" تهاويت الحروف بكلام غير مفهوم اثر رعبها منه واقترابه منها الذي يزيد كل ثانية وهو يتجه نحوها ليخلع سترته ويلقيها على أرض الغرفة ثم ربطة عنقه لتتبع سترته ثم رفع أكمامه وقد تذكرت مثل هذه اللحظة تماماً عند أول يوم رأته به بمكتبه وقد أشبه هذا المغرور الوقح الذي لطالما كان عليه، اقترب منها أكثر وعيناها الفزعتان لا تفارق عيناه اللتان اسودتا، ملئه الرعب الذي يراه بها رضاء وهو يشعر بتحكمه الهائل وهي أمامه هكذا خاضعة لسيطرته.. لا تجادل ولا تتكلم فقط منتظره لخطوته القادمة.


أراد أن يعبث قليلاً ليضع يداه على حِزام بنطاله ثم نظر لها بمكر أكبر لتتوسع عيناها من ما يفعله


"آدم أنت اتجننت؟ أنت سكران مش كده؟ أنت هتعمل ايه؟" صاحت به والوجل يملئها ولكنها أدركت أن من أمامها الآن هو آدم رأفت الذي يتحرش بالنساء! رجعت للوراء على الأريكة بجسدها فقدميها لن تقوى على حملها ليستمر هو في خلع حزامه ليلفه على قبضته ويتجه نحوها بعنف


"آدم.. أنت .. هتضـ.. " همست لتجد الكلام يجف بحلقها وانهالت الدموع من عسليتاها المتوسعتان من الصدمة لينظر لها وقد مزقه الندم ولكن وإن ماتت أمامه الآن لن يدعها لترى به عشقه لها ولن يخضع لها مجدداً.


دنا منها واقترب لها ليضع احدى ركبتاه على الأريكة وجزعه يكاد يكون فوقها تماماً كي ينظر بوجهها وقبضته ما زالت تحمل الحِزام وهي زحفت لركن مستندة على يداها بجانب جسدها يميناً ويساراً وركبتاها تلمسان صدرها حتى لم تستطع أن تجد مساحة خلفها لتتسمر بمكانها مصدومة لا تدري ماذا تفعل أو ماذا سيفعل هو.


"مش أنا حذرتك؟ مش وريتك نهايتهم كانت ايه؟ أنتي اللي حكمتي على نفسك بعمايلك وعدم سمعانك الكلام.." همس ببروده وقد فرغ وجهه من التعابير ليطغى على ملامحه التسلط المطلق.


"ابـ... ابـ.. ابعـد عنــي" تلعثمت كما لم تتلعثم من قبل، لم تجد صوتها يغادر شفتاها، جف حلقها ولم تستطع التحدث وعقلها قد توقف عن التفكير فقط فزعها يتحكم بها هي لا تدري هل هو من يهزها أم هي رجفة لا إرادية تحكمت بها بالكامل.


"ابعد!" ضحك بشر لتتزلزل أرجاء الغرفة ويدوي بها قهقهاته العالية "ده انتي هتتمني أن أرجع آدم اللي كنتي تعرفيه، بس ده مش هايحصل غير في احلامك يا واطية" أخبرها لتتثاقل أنفاسها ورجفتها تزداد وهو قد لاحظ جسدها المرتعش أسفله


"مش.. أنـ.. أنا.. مش.. ها.. قادرة.. نفَسي" تعالت شهقاتها كمن يحاول التنفس ولكنها بدت كمن يختنق والذعر ملئ عيناها ليتهشم قلبه بداخله ولكنه أبى ولن يتنازل عن ما يفعله بها


"مجرد ما قربت منك خوفتي اوي كده.. امال هتعملي ايه بقا بعد اللي هاعمله فيكي؟" سألها كي يخيفها أكثر ثم ابتعد عنها لتحاول هي أن تتنفس ولكنها لم تقوى على ذلك ليوجه ظهره لها ويلقي بحزامه على السرير وفي لمح البصر خلع قميصه ثم حذائه وتوجه نحوها بسرعة وهو لا يدري ما قد تملكه هكذا ليفعل بها كل ذلك.. جذبها من شعرها خلف رأسها ثم حدق بعيناها البريئتان اللتان فاضا أبحر من دموعها ليهمس لها بخبث


"يالا يا حبيبتي اوريكي بقا مين آدم رأفت المغرور قليل الذوق وقليل الأدب اللي مبتبطليش تشتميه!" لم يحصل منها غير على شهقة عالية ليجذبها من شعرها بعنف لتقف أمامه لترفع عيناها لتنظر بعينيه لتغترس نظراتها كالسهام بقلبه فابتلع ريقه ليشعر بغصة في حلقه وتفحصها ليجدها تصارع كي تتنفس ثم زاغ بصرها تماماً ولم تقوى قدماها أن تحملها ليتهاوى جسدها أمامه ولكنه أسرع بحملها من خصرها ثم اراح جسدها على السرير.


"دكتور حالاً.. هاتولي زفت دكتور" صرخ بمنزله فارتعب كل الحراس والعاملين ليهرعوا بجلب أقرب طبيب ثم توجه هو ليجلس بجانبها ليتمتم


"ليه بتعملي كلدها؟ ليه عاملة نفسك قوية وأنتي ضعيفة ومش قدي؟ ازاي وصلتيني اعمل كده يا شيرين؟ أنا بحبك، حرام عليكي بقا أنتي مش شايفة ده ليه؟ ليه مبتحسيش بيا؟ محستيش بوجعي لما سيبتيني لوحدي؟ طب أنا موحشتكيش؟ أنا تعبت لما بعدتي عني ومش هاقدر استحمل ابعد عنك تاني.. أنتي هتصحي وتفوقي وتكوني معايا.. هتكوني ليا أنا ومعايا على طول، بس أنا خايف تكرهيني!.. وحتى لو كرهتيني دلوقتي هتحبيني برضاكي أو حتى غصب عنك.. ويكون في علمك مش هاتسبيني تاني ولا هاسمح تبعدي عني تاني"


تمتم لتدمع عيناه وهو يتأكد أنها مازالت تتنفس ثم مسح على وجهها برقة وتلمس شعرها الذي يثير جنونه ليحل ربطته ويسدله خلف رأسها ويبعد خصلاتها من على جبهتها بلطف ليتطلع لها مجدداً


"ليه عملتي فينا كده؟ ازاي بتخليني انسى كل حاجة وبتفقديني سيطرتي على نفسي وبتخليني ابقا وحش قدامك؟ أنا دفنته جوايا من زمان ووعدت نفسي إني هاسيطر على أعصابي. حتى كمان عصبيتي وجناني بقوا لعبة في ايدك زي قلبي وعقلي! الله يحرقني ويحرق اليوم اللي حبيتك فيه"


تمتم ليجد دمعة شقت طريقها على خده الأيسر ليجففها سريعاً وملئه الغضب لإدراكه أنه يبكي.. سمع خطوات تتجه للغرفة وقد علم أنهم قد أحضروا الطبيب.


كشف عليها الطبيب وبجانبه آدم يريد أن يفصل رأسه على جسده لأنه يتلمس جسدها، نفذ صبره بعد انتظاره ليظن أنه لبث للأبد ولكنه في حقيقة الأمر لم يلبث إلا دقائق ليصرخ به "أنت يا غبي أنت ما تقولي فيها ايه؟ أنت هتفضل تلمسها كده كتير؟ أنجز بدل ما اقطعلك ايدك وبعدها أولع فيك!"


"أنا آسف حضرتك بس أنا محتاج وقت عشـ.."


"قدامك خمس دقايق، لو معرفتش مالها أنا هأقتلك" قاطعه ليهدده بنظرات نارية غاضبة ليتجول في الغرفة بهمجية جنونية واحمرت عيناه من كثرة الغضب وأصبح يعد الثواني التي شعر بمرورها ببطئ كالسنين تارة يخلل يداه بشعره بعصبيه وتارة أخرى يمسك ذقنه بغضب.


"هي واضح إن أغم عليها عشان اتعرضت لصدمة، وحصل خلل في توزيع الدم لباقي جسمها.." تحدث الطبيب بخوف من منظر آدم المهيب "أنا اديتها حقنة مهدئة ولما تفوق هـ.."


"امشي واديهم بره روشتة الدوا" قاطعه آمراً ليزجره ليرى الطبيب يلملم حاجياته ثم يتوجه للخارج ليوقفه آدم بصوته الأجش المفزع


"لو حد عرف اللي حصلها هموتك أنت وكل الي عرفتهم في دنيتك.. سامعني!" تحدث إليه بغضب ليرتعب هو ثم توجه مغادراً بعد أن أومأ له وقطرات العرق تتصبب من على جبينه، لم يدرك آدم لماذا لم يستمع للطبيب ولكنه شعوره بالذنب قد قتله وغضبه تملك منه وكان من الممكن أن يقتل أي أحد بتلك اللحظة.


::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


جلس بالشرفة لا يدري لكم من الوقت، يلتهم سجائره بعصبية، يبحث بين أنفاسه على تمالك أعصابه وفرض سيطرته من جديد على الوحش القابع بداخله. تفقدها بين الفينة والأخرى ليجدها مستسلمه بجسدها بهدوء على سريره، لا يريد أن يتركها، البقاء معها بنفس المكان يعطيه القدرة على أن يستكمل حياته التي فقدها فور غيابها عنه لأشهر


"مش هتسبيني تاني يا شيرين، وأياً كان اللي هيحصل مش هاسيبك تبعدي عني" قرر مفكراً وقد شعر الآن أنه أفضل بكثير، تحت أي مسمى وأي ظروف وجودها بجانبه مثل له الهواء الذي يتنفسه. مر أمامه شهور غيابها وشعر بضعفه، علم بتقصيره نحو كل شيء، عمله الذي يُحبه، القاء العبء على كتفي مراد وحده، تذكر كيف كان مشتتاً وضائعاً ولم يستمد القوة غير بعد أن رآها هذا الصباح.


تفقد الساعة ليجدها الرابعة صباحاً ثم دلف بداخل الغرفة بخطوات متثاقلة ليتفقدها ولاحظ تحركها بالسرير ثم فتحت عيناها العسلتيان لتشعر بألم رأسها يكاد أن ينشطر نصفين، ما إن ركزت نظرها حتى وقعت عيناها عليه لتنهض جالسة بسرعة وتتوسع عيناها كمن ترى شيطاناً أمامها لتزحف للخلف بفزع عند إقترابه منها وتنهمر الدموع منها وسط صمتها هاززة رأسها بإنكار


"مش هاعملك حاجة دلوقتي" همس ليحاول أن يطمئنها ولكن بروده أسرى الرعب بروحها ووجدانها لتوجل منه وتظل بنفس رد الفعل وقد أدرك هو ما فعله للتو ليعقد حاجباه بحنق "الدكتور قال إنها صدمة واداكي مهدئات، مش هتفضلي كده على طول.. أنتي كويسة متقلقيش!" أخبرها ولم يعلم لماذا بدا بتلك القسوة ليبتلع بصعوبة ثم دنا منها ليجلس بجانبها وهي غير مدركة لكل ما يحدث، حاولت أن تنهض وتترك السرير ولكنها وجدت قبضته تجذبها لتثبتها بمكانها فتعالت شهقاتها ولكنها لا تستطيع أن تنبس بحرف


"هتفضلي هنا جنبي" أخبرها بجفاء ثم حاوطها بذراعيه رغماً عنها ليدفن رأسها بصدره العريض ليشعر بإبتلال قميصه اثر دموعها و أنفاسها اثر شهقاتها العالية. بدأ في تلمس شعرها الفحمي ببطء ومسح على رأسها ولا يعلم ماذا يقول، إذا اعترف لها بشيء مجدداً ستتركه وهو رفض تماماً أن يبدو كالضعيف المنكسر أمامها، إذا أخافها قد تتعرض لصدمة أخرى ولن يُسامح نفسه عندها، أرادها أن تظل هكذا للأبد، في حضنه، ملتصقة بصدره، بجانب قلبه الذي يتألم كلما أبتعدت، احتاج لأن يرتو فؤاده الحزين بقربها بعد أن سقم طوال شهور لبعدها عنه.


هدأ بكائها وتحول لشهقات خفيفة متوالية يفصل بينهم ثوانٍ وانتظمت أنفاسها بعد قليل ليدرك أنها نامت فأراح جسدها على السرير ليترك ذراعه اليمنى كي تتوسدها واقترب منها ليشتم أنفاسها وأغمض عيناه براحة لم يشعر بمثلها منذ الكثير، أريج أنفاسها تغلل صدره كرائحة الجنة التي لم يعلم عنها قبل أن تتدخل شيرين حياته، فتح عيناه ليبحث في وجهها عن ضالته


"أنا هاعمل ايه معاكي بعد كل ده؟" تمتم بحيرة ثم تنهد لتشعر بأنفاسه أثناء نومها وبدأ عليها ملامح الإنزعاج ليرها بعد برهة قد استسلمت ملامحها وتعابير وجهها ووجد نفسه يدفن وجهه بعنقها وذراعه اليسرى تطبق عليها بقوة ليذهبا في نوم عميق.


::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


"ايه رأيك بقا في قلة أدبي.. عجبتك؟" سألها وعيناه تنهل بالشر


"آدم أبعد عني أرجوك" توسلت له لتحاول فك قبضتيه من على يداها المثبتتان بجانبها ولكن لم تقوى


"مش حذرتك كذا مرة من إنك تعكي في الكلام وتشتميني" صرخ بها ثم دنا منها أكثر كي يلتصق جسده بجسدها ثم رفع يداها فوق رأسها بقبضة واحدة وشعرت بقدمه تباعد بين قدميها


"والله ما هاعملها تاني" همست وسط دموعها بمرارة ولكنه لم يتوقف لتشعر بيده الأخرى تعبث على عنقها لتتبعها أنفاسه الحارقة


"هو أنتي فاكرة أني هصدقك؟!" سألها مستنكراً ليكمل "أنتي زيهم!! أنتي كدابة" همس بأذنها ثم تفحص وجهها وهي تعتصر عيناها بشدة كي لا تنظر له


"كفاية أرجوك سيبني" توسلت له مرة أخرى ليبتسم بشر واسودت عيناه تماماً


"بصيلي" آمرها ولكنها لم تستجب له "بصيلي يا زفتة إلي وإياكي تغمضي عينك" صرخ بها ويده الحرة تحاوط عنقها لتشعر بالإختناق وفتحت عيناها بسرعة لتنظر له وهي أسفله ودموعها لم تتوقف


"ايوة! ركزي معايا بقا!!" تبسم برضاء "عايزك تشوفي كل اللي هيحصلك عشان تفتكري النظرة اللي في عينيا دي كويس عشان كل ما تفتكريها تتوجعي.. ودي حاجة هتبسطني اوي بقا!" همس بغرور ومكر ثم احتدت ملامحه لينظر لها بجنون يتطلع كل أنملة بجسدها ولم يلاحظ أنها تختنق غير من شهقاتها المتوالية للبحث عن الهواء فأخفض يده عن جيدها لتتنفس هي وتسعل ولكنه لم يهتم!


بدأ بتلمس جسدها فوق ملابسها ببطء وهي تشتعل فزعاً ورفع نظره لها ليرى التقزز والرعب بعيناها


"دلوقتي هسيبك تشتمي زي ما أنتي عايزة، هتتحايلي عليا إني ابطل وابعد عنك، ومحدش هيقدر يلحقك مني، وابقي وريني بقا هتمشي وتسبيني ازاي" أخبرها بخبث وقسوة ثم احتدت رماديتاه تماماً التي تقتلاها خوفاً وقد لمعتا ببريق مرعب


"لا أرجوك" همست ولكنها شعرت بقبضته على يداها تقوى أكثر ويده الأخرى شرعت في تمزيق ثيابها بعنف..


أخرجت شهقة وتعالت أنفاسها وفتحت عيناها ولكنها شعرت بأنفاسه الدافئة الثقيلة تُلفح رقبتها بإنتظام ونظرت حولها لتجد ظلام يحاوطها، أدركت أنه يحتضنها وهو نائم الآن ولم يكن ما مر إلا مجرد كابوس!


حاولت أن تبتعد عنه وتنهض ولكنه أطبق على جسدها بإحكام فلم تستطع التحرك فاستسلمت على حنق رغماً عنها ثم تسللت لأنفها رائحته الممزوجة بالنعناع التي اشتاقت لها كثيراً، تذكرت تلك المرة قبل شهور عندما كان ثملاً واحتضنها مثل ما يحتضنها الآن،


"هو ازاي بيبقا عصبي ومفتري كده وبعدين فجأة يبقا شخص مسالم؟!" فكرت وسط أنفاسها الممزوجة بدفء صدره وهي لا تدري ماذا تفعل، تنهدت بعمق لتجد حلاً كي تستطيع أن تنجو معه على الأقل للفترة القادمة، رفضت فكرة أن تخضع له لأنها حتى بعد أن توسلت له لم يبالي بها ولم يكترث لدموعها وانهيارها أمامه، تذكرت عندما أستيقظت لتجده ببروده وغموضه المعهود فلم تعلم ما هي خطوته القادمة ولا بماذا يفكر..


"هو كان ناوي يغتصبني أو يضربني ولا كان بيخوفني بس؟ هو بس كان عايز يعمل الحركات بتاعته دي عشان أخاف ومفكرش أبعد عنه واسيبه تاني، مش كده؟أنا لازم أعمل حاجة متخطرش على باله، لازم ابعد عنه في مكان استحالة يوصله، آدم مش سهل، وحياتي جنبه عمرها ما هتكون في أمان،أنا مش قد حبه، بكرة يرجع تاني ميتحكمش في عصبيته وتصرفاته لما يلاقي رفضي وإني مبحبش حد يتحكم فيا، وعارفة إنه هيتعب لو سبته تاني، أنا عمر ما بعدي عنه كان سهل، وعارفة إني هابقا بموت نفسي بالبطيء بس ده الحل الوحيد قدامي.. عارفة إن قلبي هيتقطع جوايا وروحي هتطلع بس ده في الآخر احسنله واحسنلي، خليه بقا زي ما هو وخليني أنا كمان زي ما أنا وكل واحد يعيش بالطريقة اللي يخترها.. يااه يا آدم لو كنت عرفتك قبل كريم، عمري ما كنت هابقا خايفة ومرعوبة بالمنظر ده، يا ريتني عرفتك زمان أيام ما كان جوايا قدرة أحاول معاك مرة واتنين وتلاته.. أنت أتأخرت اوي عليا، وفات الوقت، أنت بقيت وحش مخيف بسبب اللي اتعرضتله في حياتك وأنا بقيت خوافة وبترعب من إني أحب تاني.. أنا بعشقك يا آدم وبجنون، بس وقتنا مع بعض غلط خالص.. سامحني على اللي هاعمله"


انهالت دموعها رغماً عن إرادتها وتعالت أنفاسها وشعرت بلين ذراعيه حولها وتحركه بجانبها مما أعطاها المساحة لتطلع لملامحه التي تعشقها ورآت تقاسيم وجهه تصرخ بالآلام منزعجاً وجبينه يتعرق


"ممـ.. متمشيش" همس وسط نومه بأنفاس ثقيلة فأدركت أنه يحلم بشيء يزعجه


"سامحني يا حبيبي" بالكاد همست كي لا يسمعها ثم توجهت نحوه أكثر لتمسح على شعره الأسود الفوضوي وقد التصقت بعض الخصلات بجبينه بسبب تعرقه لتبعده وتجفف عرقه بيديها ليبدأ بإدراك أنها بجانبه.


"مش هامشي يا آدم.. أنا جنبك" تحدثت بجانب أذنه ثم نظرت له لترى رماديتاه الصافيتان يُحدقان بها ورآت الذعر بهما


"أنا هافضل معاك، وهاكمل شغل معاك، أنا عايزاك تكون في حياتي كل يوم، اوعى تفتكر إن اللي حصل كان سهل عليا، أنا مش هاقدر ابعد عنك تاني" أخبرته وعسليتاها تدمع ثم احتضنته كي لا يرى بهما كذبتها التي تفوهت بها للتو، نعم فهي تألمت ولكن لن تستطيع الاستمرار بهذا.. ستتركه عاجلاً أم آجلاً ولكن عليها كسب ثقته كي لا يشك بها أبداً.. لم يبادلها العناق وحاول السيطرة على قلبه الذي يخفق بشدة ودفعها لتبتعد عنه لينظر لها بجمود.


::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


© 2019 by Batoul

الفصل التالي

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-