أخر الاخبار

ترويض ادم للكاتبة بتول طه الفصل ٢٣

الفصل السابق اضغط هنا

ترويض ادم للكاتبة بتول طه



الفصل 23

الجزء الثالث والعشرون


::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


راقبها آدم وهي تغادر ولم يستطع إلا أن يقع في حبها أكثر، شعر بأنه قد ملك الدنيا باسرها بإعترافها له بأنها تُحبه، بالرغم من أنه أراد أن يعرض عليها الزواج ولم تعطيه الفرصة لكنه لا زال يتذكر تلك القُبلة ويشعر بشفاهها إلى الآن على شفتاه.. انتشلته زينة من أفكاره بعد أن لاحظ أنها تهاتفه فأجابها


"آدم أنت فين؟ مش ينفـ.."


"شيرين بتحبني هي كمان، لسه قايلالي من شوية" أخبرها مسرعاً والفرحة والسعادة تملأ صوته


"آدم.. بجد!! I'm so happy for you"


"زينة أنا مش هاقدر أتكلم معاكي دلوقتي، تصبحي على خير"


"ممم.. بس.." تلعثمت قليلاً ثم أدركت بسرعة مدى احتياجه بأن يكون بمفرده الآن "خلاص Don't worry، أنا هاتصرف"


أنهى آدم المكالمة وأغلق هاتفه وجلس بغرفة مكتبه وظل يُفكر بكل شيء، أول يوم رآها به، كيف كانت ذكية، كيف شعر بالغيرة كلما أقترب منها أي رجل آخر، تذكر غيرتها عندما رآته مع الفتاة التي أحضرها بمنزلة ليلة الحادث، تذكر كيف أوشكت نظراتها القاتلة أن تقتل زينة هذا الصباح، كما تذكر كيف عانت من أجلة وتحملت الكثير بالرغم من أنها ليس عليها أن تتحمل كل ذلك. شعر بأنه أخطأ في حقها كثيراً وأنه عليه أن يعوضها عن كل ما بدر من تصرفات وأفعال مجنونة تجاهها، قرر أن يفاجئها ولكن لابد له من إيجاد اللحظة المناسبة لذلك.


نظر للقداحة التي أحضرتها له وكم كان ذوقها رقيق وبنفس الوقت تناسب شخصيته فتبسم عندما تذكرغضبها وبرائتها بسبب أنه قد لم يُعجبه ما أحضرت. أدرك أن أعترافه لها بالكثير قد جاء في محله وتغيره مؤخراً قد أثمر بأنها أخيراً أعترفت له بحبها.

"يااه يا شيرين لو بس تعرفي أنا بحبك قد ايه" تمتم بصوت خافت بينما غرق تفكيره في العديد من الذكريات بينهما ولم يستطع النوم طوال الليل.


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


"أنا ايه اللي رجعني هنا؟ ويا ترى اللي قولتهوله كان صح؟ أصلاً كان المفروض أقولهاله من بدري ولا ده كان الوقت المناسب؟ وايه كمان اللي خلاني اقول كده فجأة؟ يمكن عشان أنا كنت ناوية امشي واسيبه؟ يمكن حسيت إني هاندم لو مقلتلوش بحبك ولو مرة واحدة قبل ما امشي؟


تأجج عقلها مُفكراً ولكن كلما تذكرت تلك القبلة ونظراته لها وكيف احتضنها كانت تبتسم ابتسامة كالمُراهقين تماماً وكان هذا من فرط سعادتها كلما فكرت بالأمر..


أخذت تتجول بينما فكرت هل عليها الرجوع في خطتها أم لا، هل من الصحيح أن تعطي نفسها فُرصة بعدما رآت أنه يحبها هو الآخر وقد ظهر هذا في العديد من تصرفاته، أم كل شيء سيتغير وسيعود لذلك الوحش البارد الصارم الصامت، أخذت تتجول ولا تدري ما عليها أن تفعله وبينما هي تتجول بالقرب من أحدى النوافذ سمعت أثنان من الحراس يتحدثان


"... يا عم والله ما أعرف.. بس الظاهر كده هو عايز يعرف عنها رايحة فين وجاية منين، اهى في الأول وفي الآخر بتشتغل عنده بردو"


"بس مش واجب بردو يعرف الست اللي جت واخدت الشنط دي، لا تكون هتسافر ولا حاجة"


"ما تليفوناته مقفولة، وحاولنا نكلمه اكتر من مرة مش عارفين نوصله"


"يالا ادينا عملنا اللي علينا وحاولنا نبلغه، بس اللي هيجنني إنه عايز يعرف بتروح فين ومين بيجيلها وامتى مشيت وامتى رجعت، ده حتى من كام يوم قالي اعدله حاجة في كاميرات المراقبة في اوضتها.. الراجل ده باينه مجنون، بلا ممثل بقا بلا بتاع، هو ليه خانقها كده؟"


"يا عم ملناش فيه، أهم حاجة إنه بيدفعلنا فلوسنا وبزيادة.. مجنون بقا ولا مش مجنون هو حر"


"على رأيك!!"


وما إن استمعت لهم حتى اهتزت ثقتها به وعلى الفور هاتفت حبيبة حتى تحضر كي تتحدث معها وبالرغم من أن الوقت كان مُتأخراً لم تكترث وكان كلها ثقة بأنها ستاتي. دخلت بعدها حتى قلبت الغرفة رأساً على عقب حتى تجد كيف يراقبها وأين تلك الكاميرات التي كان يتحدث عنها أحدى الحراس فلم تجد إلا واحدة موضوعة بالقرب من أحدى الستائر المُعلقة على نافذة الغرفة وما إن طرقت حبيبة ذهبت على الفور حتى تتحدث معها.


"أنتي مجنونة مش كده؟ انطقي وقوليلي ناوية على ايه المرادي!! ايه الشنط دي اللي طلبتي مني اوديها بيتي.. فيه ايه يا شيرين؟" سألتها حبيبة بعصبية وقلق


"أنا هسافر وهاسيب البلد ومش هارجع تاني" أجابتها بغضب هي الأخرى ثم توجهت لغرفتها وتبعتها حبيبة


"هتمشي ايه؟!" سألتها ثم سكتت عندما رآت غرفتها "يا لهوي! أنتي بتطاردي فار ولا ايه؟ أوضتك عاملة كده ليه؟"


"الكلب قليل الأدب ده كان بيراقبني! أنتي متخيلة؟ بيتجسس عليا في بيتي.. يعني مش مكفيه حراس وسواق، كمان بيتجسس عليا!"


"ايه؟!" صاحت بدهشة "تقصدي أن آدم كان بيشوف كل حاجة بتحصل؟"


"ايوة.. مكنش مكفيه إني معاه ليل نهار، كان بيتجسس عليا، معرفش من امتى طبعاً وكمان ملاقتش غير كاميرا واحدة، ومعرفش كمان فيه غير الكاميرا دي ولا لأ، أنا فعلاً غبية إني أثق فيه وأقوله اللي قولتهوله النهاردة!! الإنسان الحقير ده عمره ما هيبطل تصرفاته دي أبداً، أنا الحل الوحيد اللي قدامي إني أمشي وابعد عنه، ده أنا خلاص كنت مفكرة بعد كل اللي حصل بينا الليلادي كل حاجة هتتغير وفعلاً مكنتش هسافر وكنت هارجع في كلامي، إنما واحد زي ده ميستحقش فعلاً.. إنسان حقير!" انفجرت بالحديث مسرعة مما جعل حبيبة مشوشة ومتحيرة


"لا لحظة أناعشان أنا كده مش فاهمة حاجة، تقصدي ايه باللي حصل بينكو الليلادي؟" سألتها ونبرتها مليئة بالحيرة


"يووه يا حبيبة!! أنتي مبتسبيش كده حاجة تعدي.. قولتله إني بحبه.. بس طلعت غلطانة"


"ايه؟؟!!" صرخت بها "لا ثانية واحدة.. أنتي كنتِ مصممة أنك تمشي وتسافري؟ايه بقا اللي حصل فجأة؟"


"معرفش.. أنا حسيت بكده وقولتله بقا وخلاص" أجابتها بحزن وخوف


"يا شيري، اعقلي، أنا عارفة إنك بتحبيه وهو كمان بيعشقك.. كل ده حلو، لكن ليه كده فجأة وأنتي كنتي مصممة إنك تمشي؟"


"مش عارفة.. بجد مش عارفة قولتله كده ازاي.."همست بإرتباك ثم أكملت "أنا أصلاً فكرت إني أرجع في كلامي ومسافرش.. حسيت إني مش هاقدر أبعد عنه، من ساعة بالظبط كنت بفكر أرجع في كلامي لكن.. كل ما بديه فرصة بيثبت ليا أنه عمره ما هيتغير وهو انسان صعب الطباع وعمري ما هانجح معاه في أي حاجة لا شغل ولا حياة ولا غيرهم.."


"طب حاولي تهدي بس و.."


"أهدا!! بقا فعلاً عايزاني أهدا؟؟ بعد ايه؟ بعد أكتشافي أني متراقبة ولا بعد أكتشافي أني غبية لما أعترفتله بحبي؟" قاطعتها مسرعة ثم جلست وأمسكت برأسها بين يديها


"أنا حاسة بالخوف يا حبيبة، حاسة إني مكشوفة قدامه دلوقتي، مين عارف حاطلي كاميرات تانية فين تاني، أثق في واحد زي ده ازاي؟" سكتت لبرهة ولا تدري حبيبة بم تجيبها فما فعله هذا غير مقبول بالمرة


"بس هو بيخاف عليكي و.."


"بيخاف؟! أنتي شايفة إن ده مبرر؟ وأصلاً ازاي بتدافعي عنه؟ أنتي في صف مين بالظبط؟" قاطعتها سائلة ولم تقتنع بما سمعته لتوها


"أكيد في صفك بس.. طيب بصي، هو كان Over بصراحة في الحتة دي، هو مكنش المفروض يراقبك ومش من حقه"


"حبيبة أنا هامشي، اديني هدومك ومفتاح عربيتك وهالبس scarf ونضارة سودة ومحدش هياخد باله إني مشيت"


"يا مجنونة استني بس، لو حد اكتشف هيقولوله"


"سمعت صدفة من الحراس من غير ما يعرفوا إني سمعتهم إن موبايله مقفول"


"يا بنتي اكيد هيعرف انتي فين وهيلاقيكي"


"لا مش هيعرف.. أنا بقالي كتير بخطط للموضوع، هسافر على روما وبعدين على باريس وفي الآخر هاروح لندن" أخفضت صوتها حتى لا يسمعها إن كانت الكاميرات تنقل الصوت أيضاً


"لا ده أنتي بجد شكلك ناوياها المرادي!"


"يولع بقا، أنا زهقت منه ووجودنا مع بعض عمره ما هاينفع"


"طب وهتعملي ايه في لندن؟ لاقيتي شغل؟"


"فيه جامعة هناك بعتلهم من فترة ويمكن أبدأ في التدريس في كلية إدارة الأعمال بعد شوية أختبارات"


"ياااه يا شيرين!! هتروحي وأنتي مش عارفة إذا كانوا عيقبلوا بيكي ولا لأ؟" توترت خائفة على ذهابها وحدها ثم سألتها "طب ولو سألني؟ أنتي عارفة هو صعب ازاي وأكيد مش هايسكت!"


"هتقوليله أننا قضينا الليلة سوا وصحيتي ملقتنيش، ومتقلقيش أكيد هلاقي شغل"


"ولما الحراس يقولوله إني أخدت شنطك وأنتي مش في البيت زي ما قولتيلي؟"


"ممم.. قوليله.. قوليله إن الشنط دي سبتهالك لأن فيها حاجات قديمة، وكنت عايزة أشتري هدوم جديدةوسيبتهوملك عشان توديهم شقتي اللي في إسكندرية وأنا مبقتش محتاجاها، وخاللي مامتك تحطهم في المخزن وتحط في الشنط اي حاجات قديمة يعني عشان لو دور ورا الموضوع ده... ممم.. " سكتت لبرهة ثم أكملت


"لا أنا هاروح بنفسي وهاحط أي حاجة في الشنط دي وهاخد شنط من عندك، بس لازم أتأكد الأول إن مفيش حد من الحراس دول ورايا أو مراقبني" أجابتها بتوتر ثم أكملت


"يالا اعملي نفسك نايمة دلوقتي، أنا فعلاً معرفش حط كاميرات تانية فين..وأنا هاغير هدومي في الحمام، يارب بس ميكونش مراقبني هناك كمان.."


"بصي أنا مظنش إنه هيصدقني بس هحاول على قد ما أقدر أعطله عشان تكوني أنتي سافرتي.. بس شيرين أنتي متأكدة من اللي بتعمليه ده؟ خلاص ده قرارك النهائي؟!" سألتها بخوف


"ايوة.." أومأت لها


"أنا خايفة اوي يا حبيبة، النهاردة أكتشفت صدفة إنه بيراقبني في بيتي اللي حاطط عليه حراسة، طب اتخيلي كده لو احنا الاتنين مع بعض وبنحب بعض، هيعمل فيا ايه؟ هيتحكم في النفس اللي بتنفسه؟ ولا هيعمل ايه من ورايا؟ ممكن يخونني في اي وقت، ممكن ياخد قرارات مصيرية خاصة بيا وأنا حتى معرفش، تعرفي؟!.. أنا.. أنا بقيت بحس إني مبسوطة اوي وأنا معاه وهو جنبي، بحس إن مستحيل حاجة وحشة تحصلي وهو معاه، بحس إنه ممكن يحميني من الدنيا كلها ويحافظ عليا، لكن اللي خايفة منه هو آدم نفسه.." تريثت لبرهة لتبتلع بآسى ثم أردفت


"ممكن ففجأة يتعصب، ممكن يخبي عليا أي حاجة في اي وقت، ممكن يسيبني ويختفي فجأة وبعدين يرجع يظهر تاني عشان يدمر كل حاجة.. عمره ما بيدي مبررات ولا بيفسر هو بيعمل ايه ولا حتى بيتناقش، بيعمل اللي على مزاجه واللي شايفه صح من وجهة نظره وبس، وصدقيني يا حبيبة أنا مش بهرب وخلاص، أنا خوفي ليه أسباب كتيرة.." أخبرتها بحزن ثم سكتت قليلاً


"أنا بحبه، وبحبه اوي كمان، أنا ببقا مستنياه يقول اي حاجة عشان أصدقه، النهاردة بليل قاللي حاجات كتير، وأنا حتى أجبرت نفسي اديها فرصة تانية معاه، وحتى كنت خلاص قررت إني مش هسافر وهافضل معاه، بس كل اللي فكرت فيه من الأول واللي كنت خايفة منه طلع صح، فاكرة لما اختفيت لما عرفت اللي عرفته عن كريم؟ فاكرة لما قولت لآدم إني مش عايزة أكمل شغل معاه ورجعت بيتي واشتغلت في الكلية مع دكتور أسامة وعيشت لوحدي فترة؟


ده أنا يا حبيبة لما بحس إني مش هانجح مع حد، بسيبه وببعد حتى لو كانت روحي فيه، آدم كمان بيخلي كل حاجة صعبة عليا وعليه، لا منه عايزنا نبعد ولا منه عايزنا نعيش في هدوء.. كل حاجة بالأوامر، عايزني استحمله ومقولوش لأ على حاجة ولا أعارضه أبداً ولا حتى اخد قرارات في حاجة.. الحب اللي ما بيننا حلو وجميل بس كحياة كاملة؟! استحالة يا حبيبة! عرفتي ليه أنا ماشية ومش هارجع تاني؟!"


"أنا فهمتك.." أخبرتها بعد زفرة "اعملي اللي أنتي شايفاه صح وأنا معاكي أياً كان قرارك" سكتت لبرهة ثم تفقدت ملامحها في ود "الكل عارف إنه بيحبك وبيموت فيكي لكن فعلاً تصرفاته بتبقا مش طبيعية.. معاكي حق"


"أنا خلاص مبقاش قدامي وقت والساعة قربت على تلاتة" تحدثت بلهفة وهي على عجلة من آمرها ،"أنا هادخل أغير هدومي وهاعدي اخد الشنط وهاستنى في المطار.. أنا عارفة إني تقلت عليكي اوي.. شكراً يا حبيبة" قالت مسرعة ثم أحتضنتها


"أنتي هبلة يا بت أنتي ولا ايه؟ ايه شكراً دي؟ احنا اخوات يا حيوانة" بادلتها العناق وهي تشعر بالحزن لمفارقتها لصديقتها الوحيدة


"ادعيلي يا حبيبة كل حاجة تخلص على خير.. هتوحشيني أوي" همست مودعة أياها


"وأنتي كمان" أخبرتها وأغلقت الأنوار وتظاهرت حبيبة بالنوم، ولم تأخذ الكثير حتى نامت بالفعل بينما تنكرت شيرين بملابسها وغطت رأسها بوشاحاً وتحتها ارتدت شعر مستعار يشبه شعر حبيبة وبالرغم من فارق الطول بينهما لم يلاحظ الحراس الفرق..


::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


"حاضر حاضر.. جاية اهو" صاحت لمن يطرق الباب بتلك الطريقة كمن سيهشمه وآتت مسرعة ثم فتحت الباب كي تجد تلك العيون الرمادية مصوبة تجاهها


"ايه اللي حصل؟ شيرين فين؟" سألها ببرود وغضب ولكنه كان هادئ بشكل مخيف فعلمت حبيبة أنه علم الأمر


"تقصد ايه؟.. شيرين مالها، أنت بتتكلم عن ايه أصلاً؟"


"شيرين تليفونها مقفول من الصبح.. والحراس افتكروا إن أنتي اللي مشيتي الساعة تلاتة الصبح.. راحت فين انطقي؟" سألها بنفاذ صبر


"بتقول ايه أنت؟ أنا كنت نايمة؟ شيرين ايه اللي مشيت وتليفون ايه اللي مقفول، أنا مش فاهمة حاجة؟!" أجابته سائلة محاولة أن تتظاهر أنها لا تفهم ولا تعرف شيء


"حاسبي كده من وشي" آمرها ولم تستطع أن تقبل أو ترفض فكان قد دخل المنزل بالفعل


سار حتى غرفة نومها فوجدها غير مُرتبة مثلما كان يجدها عندما يراقبها ثم صاح بغضب "حبيبة" سمعت صوته الرخيم الغاضب كمن سيقتل أحداً فتبعته


"ايه اللي أنا شايفه ده؟ أوضتها عاملة كده ليه؟ ايه اللي حصل امبارح بعد ما رجعت من عندي؟" سألها بصرامة وجمود


"مش عارفة، لما جيتلها امبارح بليل لقيتها كده، ولما سألتها قالتلي انها كانت بتدور على حاجة وملقيتهاش، وكانت عايزة تغير شكل الأوضة شوية وتنقل السرير والدولاب، بس أنت ازاي عرفت إن اوضتها مكنتش كده، أنت جيت هنا قبل كده؟" تظاهرت بالدهشة بينما وقف هو يجول بنظره عن شيء ما بالغرفة حتى توجه لمنضدة صغيرة بالقرب من السرير ليجد ورقة فقرأ المكتوب بها


"حبيبة، عارفة إنك دايماً كنتي جنبي، أنتي اللي فضلتي معايا بعد ما كل الناس سابتني، أنا آسفة لو مقدرتش أسلم عليكي.. أنا ماشية ومش هارجع تاني أبداً..


هتوحشيني أوي


أفتكري دايماً أيامنا وذكرياتنا الحلوة مع بعض


هتلاقي عربيتك في المطار ومفتاحها في الأمانات


بحبك،


شيريــن"


"ماشي يا شيرين!! هلاقيكي.. هلاقيكي بس متزعليش من اللي هاعمله" تمتم بإصرار ثم توجه لحبيبة ولأول مرة تخاف منه هكذا، لم ترى شخص غاضب مثله هكذا بحياتها، رماديتاه أصبحتا سوداء وحولها إحمرار وهدوءه المخيف كون هالة من الهيبة المخيفة حوله


"أنا مش عيل أهبل عشان تقوليلي إنك مش عارفة حاجة ومستنياني أصدقك" صاح بها بصوت خفيض ولكنه كان مخيف للغاية


"قلت لك يا آدم أنا معرفش حاجة وزيي زيك اتفاجئت بكل ده" حاولت الحفاظ على هدوئها وألا تظهر مدي خوفها منه لتجده يضحك بشرٍ


"بت أنتي، متخلنيش أبهدلك، انطقي راحت فين؟" صاح بها وهو ممسكاً بذراعيها وشعرت هي بالألم


"قلت لكمعرفش.. معرفش حاجة" صرخت به


"طب والشنط اللي جيتي اخدتيها امبارح لما هي كانت عندي؟؟" وجه لها سؤالاً بكل برود


"هي قالتلي اوديهم شقة اسكندرية، أنا وماما كنا كده كده رايحين هناك نشقر على الشقة، وكمان اديتني المفتاح!" أجابته محاولة أن تسيطر على أعصابها "بس بردو هي ممكن تكون راحت فين؟أنت أكيد السبب، شيرين مش هاتمشي كده من الباب للطاق، أنت عملت فيها ايه؟" تظاهرت بالتعجب والإندهاش بينما تبسم لها نصف ابتسامة بزهو وغرور


"مالكيش أنتي دعوة بقولتلها ايه ولا مقولتلهاش ايه، وأنا عارف كويسبس خدي بالك، ورحمة أبويا لو عرفت إنك ساعدتيها في حاجة هخليكي تتمني الموت ومتلاقيهوش" أجابها بكل برود لا يتماشي معه غضبه العارم ثم أدار ظهره لها وخرج مغادراً


::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


منذ زمن بعيد...


"ايه يا ماما خير، خلتيني اسيب الشغل واجي ليه؟" صاحت تالا لوالدتها في قلق بعدما آتت مسرعة من عملها خاصةً بعد تصميم والدتها على أن تتحدث لها بأمر لا يحتمل التأجيل!


"باباكي.. أنا كلمته امبارح بليل.. لازم كلنا نبقا جنبه.. الدكاترة قاله قدامه سنتين بالكتير، الخلايا هترجع تاني ومش هتبطل!!" اجابتها والدتها في آسى


"ايه!! بتقولي ايه!! لأ استحالة.." صرخت تالا في ذهول


"مبقاش فيه وقت.. لازم كلنا نكون جنبه ومعاه، وشغله هناك والشركة مش هنقدر نعتمد على شريكه بس، لازم نروحله ونفضل معاه! أنا قطعت تذاكر السفر ليا أنا وتقى وأنتي لازم تستقيلي من شغلك وتحصلينا"


"يا ماما بس.. بس أنا لسه عندي الماجيستير و..."


"تكملي هناك" قاطعتها والدتها بلهجة صارمة


"طب على الأقل أخلصه واحصلكوا، أنا طبعاً نفسي أكون جنبه زيي زيكوا بس لسـ.."


"تالا!! مفيش نقاش في الموضوع ده.. امتحاناتك تخلصيها وتستقيلي من الشغل وتحصلينا، سمعتيني؟!" قاطعتها في حزم لتزفر تالا في ضيق


"حاضر يا ماما" اجابتها في قلة حيلة ثم أكملت "طب وتقى، أنتي قولتيلها؟!"


"مكنش هينفع أقولها وهي رايحة الإمتحان.. كان لازم استنى لما تخلص.. وعموماً خلاص ده آخر امتحان، يالا قومي ساعديني نجهز الشنط ليها وليا، أنا عارفة إنها هتوافق ومش هاتقدر متجيش.. أنتي عارفة تقى بتحب باباكو ازاي"


"حاضر يا ماما.. يالا" ابتسمت تالا بداخلها وغمرتها السعادة بما ستفعله بعد قليل فقد انتظرت وقتاً طويلاً من أجل أن تسنح لها هذه الفرصة ثم توجهت حتى تعد الحقائب مع والدتها!!


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


"عاملة ايه يا حبيبتي؟"


"آدم I miss you so much، بجد نفسي اخلص عشان اجي اقعد معاك شوية.. قولي أنت كويس؟"


"تمام" أجابها بإقتضاب بينما تأكدت أنه ليس كما يزعم


"لسه بتدور على شيرين؟" سألته بتوتر وقلق


"زينة أرجوكي"


"أنا بطمن، I wanna make sure that you're Okay"


"متقلقيش أنا تمام"


"لا بجد، ليه طيب اللي بشوفه، شكلك مش كويس خالص؟ انت حتى لو بصيت في المراية هتعرف ان كلامي صح! يا آدم عدى شهور كتير وبردو لسه زي ما أنت، I know very well أن الموضوع صعب وعارفة إنك بتحبها بس خلاص ده قرارها هي ولو مش هتـ..."


"زينة بطلي كلام في الموضوع ده وإلا بجد مش هكلمك تاني"


"يووه بقا!! Okay .. بس بجد عايزة أشوفك أحسن من كده"


"هاكون كويس ما تقلقيش.. يالا دلوقتي سلام عندي معاد وهكلمك تاني"


"ماشي Take care"


"أنتي كمان خدي بالك من نفسك"


أغلق آدم حاسوبه ولم يكن لديه موعد أو شيء.. خمس شهور وتسعة أيام وعشر ساعات منذ أن رآها.. حاول الوصول لها فلم يجدها، بحث عنها بروما بأكملها عندما عرف من المطار إلي أين غادرت ولكن لم يجدها.. حاول أن يعرف أية معلومات من حبيبة ويوسف ولكن لم يستطع أن يعرف شيئاً، حتى أرقامهما لم يجد عليها أية معلومات جديدة قد تصله وكأنها قطعت علاقتها بأصدقائها، حاول أن يهدد حبيبة بأنه يستطيع أن يفصلها من عملها ولن توظفها أي شركة محاماة ولكن لم يُفلح هذا معها..


وعندما راجع الرسالة التي تخبرها بأن تذهب لمنزل شيرين وتأخذ الحقائب لتضعها بمنزلها ليس بها أية تفاصيل أخرى. حاول التواصل مع الجميع من الكلية التي كانت تعمل بها ومع الأستاذ الذي كانت تعمل كمساعدة له ولكنه باء بالفشل في كل شيء ولم يستطع أن يحصل على أي خيط قد يوصله إليها.


كاد أن يجن لماذا فعلت هي كل ذلك؟ لماذا تصمم على الذهاب وتركه؟ يتمزق قلبه كل يوم لإدراكه أنها على قيد الحياة تتنفس وهو لا يستطيع أن يراها أو أن يتواجد بجانبها.


تمنى لو كانت أنتظرت، لو كانت علمت كم يُحبها، ماذا لو كان هو الآخر أعترف بحبه لها؟ ماذا لو كان تزوجها؟ أكانت ستبقى؟ ما الذي جعلها تغادر وآخر لحظات لهما معاً كانت كالحلم الجميل


"كنتِ بتكدبي عليا، ولا كنتي بتستغفليني لما قولتيلي إنك بتحبيني؟كنتي ناوية فعلاً تسيبيني ولا حاجة حصلت خليتك تمشي، ليه سيبتيني يا شيرين، لما ليه مش بتثقي فيا،ليه مبتدينيش فرصة أخليكي أسعد إنسانة في الدنيا؟ ليه بتحبي تجرحيني اوي كده؟ عايزة دايماً تعرفي إني موجوع بسببك عشان مش جنبي؟! برافو عليكي.. نجحتي اوي فيها وبجدارة!"


فكر عقله صارخاً بينما كان كالصنم لا يُحرك ساكناً كالميت بلا روح، حتى غضبه وقسوته وجفاءه كل شيء تحول إلي جمود كأن الدنيا حوله توقفت ولن تستمر أبداً.


فكر مراراً وتكراراً أين عساها ذهبت ولماذا ولكنه لا يعلم من أين يبدأ! غيابها كان أصعب ما مر به خاصة بعد أن أعترفت له بحبها تفكيره أرشده بأن هناك شيئاً ما غير طبيعي بالمرة، ما فعلته ليس بمنطقي أبداً.


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


استيقظت شيرين لتنظر لساعتها فوجدتها السادسة، لم تنم إلا القليل، غادرت لتبدأ الروتين اليومي المعتاد الذي بدأت في التأقلم عليه، بالرغم من الملل الذي تعيشه كل يوم ولكنها ليست خائفة من شيء، ليست متوترة عند أخذ قراراتها، تعيش في سلام وهدوء وهذا كل ما أرادته منذ البداية..


"وحشني اوي، مش هاكدب على نفسي، حتى عصبيته وحشتني، بس لأ مش هاقدر أرجع ليه، حياتي دلوقتي مش كاملة أنا عارفة، طول الوقت حاسة بالوحدة بس استحالة أثق في حد تاني، حبيبة ويوسف كمان وحشوني ونفسي أكلمهم بس هو ممكن يعرف بسهولة وأنا مش عايزاهم يوقعوا في مشاكل بسببي وبالذات مع آدم، كفاية عليهم اوي كده، يا ترى عمل ايه مع حبيبة لما لقاها في بيتي؟، أنا عارفاه كويس مش بعيد يكون هددها أو عملها مصيبة، أنا بجد حاسة بالذنب من ناحيتها، أكيد هي هتقدر أني مكنش قدامي حد غيرها ألجئله عشان يساعدني وكنت محتاجاها معايا.


يا ترى هو عامل ايه؟ أنا خايفة عليه يتجنن جنانه ده! أنا عارفة أني جرحته بس هو اللي بدأ وخبا عليا حاجات كتير أزاي أثق به؟؟" فكرت نفس التفكير مثلما فعلت تلك الشهور الماضية ولكنها لم تجرأ على أن تفعل شيئاً، أرادت أن تعيش في سلام، بعيداً عن أية مشكلة وبعيداً عن الجميع.


ذهبت للجامعة في تمام الثامنة وكان يومها روتيني عادي يشبه الأيام السابقة، أنهت محاضرتها ومساعدة بعض الدارسين فهي كانت لا تتأخر عن مساعدة أحد ثم توجهت لمكتبها كي تعمل قليلاً على بحثاً تقوم به، وعندما طالعت الوقت وجدت أنها قاربت على الثامنة مساءاً فأرتدت معطفها ووضعت وشاحاً حول عنقها ثم أخذت حاسوبها وكتابين وهمت على المغادرة ولكن هناك من وقف بطريقها.


"آنسة شيرين، عاملة ايه؟!"


"تمام يا أستاذ خالد" أجابته بإقتضاب وأوشكت على أن تُكمل طريقها ولكنه أوقفها


"مفكرتيش في موضوع العشا؟"


"ممم.. أنا آسفة بس أنا مشغولة اوي الفترة دي، فيه research كده شغالة عليه واخد كل وقتي تقريباً حتى الاجازات، معلش أنا آسفة.. كمان لازم امشي دلوقتي، بعد اذنك!" أجابته برسمية بينما رسمت على ملامحها وجه صارم قد تعلمت أن ترسمه أمام الجميع مؤخراً


"ده أنا كمان بقيت معقدة!.. حتى عزومة على العشا بقيت برفضها!! وكمان خالد الزفت ده مبالغ فيه بشكل مش معقول، أنا صديته بدل المرة ألف، ايه مبيملش أبداً ولا بينسى موضوع العشا ده اللي عزمني عليه دشيليار مرة، رجالة تقرف بجد!! بمجرد ما تصدهم الواحدة مننا يفضلوا يجروا وراها بالمشوار، بس بردو أنا اللي فقرية! حبك أكون أنا الوحيدة اللي من نفس البلد عشان بقا يتعامل معايا اننا اصحاب، بلا وكسة ووجع قلب!!"


هزت رأسها بنفي بينما تُفكر وهي بطريق العودة لمنزلها وما ان وصلت أعدت كوباً من القهوة بعد أن بدلت ملابسها وظلت تتابع عملها الذي كان الشيء الوحيد الذي يأكل الوقت.


بعدما قاربت الساعة على الواحدة بعد منتصف الليل وقد شعرت بالإرهاق، تركت كل شيء ثم حاولت البحث عن أية أخبار عن آدم فلم تجد أي خبر سوى أنه مسلسله التلفزيوني قد قارب موعد عرضه، فهزت رأسها في إنكار ثم توجهت لأحد مواقع التواصل الإجتماعي لتحاول معرفة أي شيء عن حبيبة ويوسف وحتى زينة فتبسمت بمرارة بعد أن شعرت بلوعة أشتاقت للجميع. وبعد تفكير دام كثيراً نامت في وقت متأخر كعادتها مؤخراً.


::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


مرت خمسة أشهر ثانية وقد صب آدم كل جروحه وتفكيره بها بالعمل ولم يسعه أن يفعل شيئاً دون أن يتخيل أنها بالقرب منه، دون أن يُفكر ماذا ستفعل شيرين إذا عرض عليها هذا أو ذاك، هل ستوافق؟ هل ستقبل؟ هل سيرضيها قراره أم أنها سترفضه وستتجادل معه مثلما كانت تفعل دائماً؟


لم يستطع إلا أن يفكر بها وغيابها أثر عليه بكل ثانية في يومه، تحول لوحشاً مجدداً، صب كل غضبه على العاملين معه ولديه، زاد جموده مع الجميع حتى مراد بالكاد تحدث له، توقف عن التمثيل تماماً بدون أن يقرر إذا اعتزل أم لا، اتفق على عدة صفقات ناجحة ووقف بسوق العمل كالعاتي لا يستطيع أحد أن يجابهه وحتى رجال الأعمال الأقوياء مثله لم يستطيعوا إلا أن يحترموه في المقابل وصمم هو الآخر أن يكون له مصالح مع الجميع حتى إذا فكروا أن يضروه فسوف يضرون أنفسهم أيضاً.


"علي عايزك في مكتبي حالاً ومعاك أوراق المهندسين اللي هيسافروا الصين آخر الشهر" أغلق آدم هاتفه ببرود بعد أن كان يتحدث مع علي وهو سكرتيره الشخصي الذي عينه له مراد مثلما أخبره


"ها جبت كل الأوراق؟" سأله ببرود


"ايوة بس حضرتك فيه واحد عنده مشكلة في الـ Passport"


"وأنت بقا مستنيني أسألك عشان تحل المشكلة؟" سأله بغضبه وبروده المعتاد "ولا مستنيني اعرفك شغلك؟"


" حضرتك يا Mr آدم أنا آسـ.."


"سيب الورق وامشي جتك القرف" آمره بجفاء ولم يستطع علي إلا أن يفعل ما آمره به


تناول آدم هاتفه ليقوم بإتصال


"أنا تمام، عندي حاجة متعطلة عايزك تخلصهالي بالكتير آخر الأسبوع ده، هبعتلك أوراق واحد من المهندسين وعايز جواز السفر بتاعه يخلص عشان مسافر سفرية مهمة" أخبر آدم الطرف الآخر على الهاتف ثم فجأة جاءته فكرة


"ليا طلب آخير" لبرهة تريث وهو لا يصدق أن نبرته تحولت للتوسل بدلاً من إلقاء الأوامر فقط لأجلها هي


"فيه واحدة اسمها شيرين عصام، عايزك تبصلي كده تأشيرات العمل في السنة الأخرانية دي، وهبعتلك كل المعلومات اللي معايا عنها.. وتقولي فوراً أول ما توصل لأي معلومات.. عارف إن الموضوع صعب بس بصيلي.. سلام"


أنهى مكالمته وهو تذكر أنه تابع كل شيء، الرحلات التي ذهبت إليها وشركات الطيران التي قد تكون سافرت من خلالها ولكن لا يعلم أين ذهبت بعد دخولها روما.. ولكنه نسى تماماً تأشيرات العمل!! فهو يعرفها جيداً لا تستطيع المكوث دون عمل. والآن قد أصبح لديه أمل جديد في أن يجدها..


انتظر الكثير والكثير حتى يأتيه خبر عن تأشيرات العمل. كانت عصبيته مبالغ فيها، لم يكف عن احتساء الخمر والتدخين والبقاء بمنزله حتى أنه لم يذهب للشركة وباشر كل شيء من المنزل. أوشك على أن يهاتف الرجل أكثر من مرة حتى يعرف إذا وصل لشيء أم لا ولكنه لا يريد أن يظهر هكذا أمام أحد.


"الله يحرقك، بقا آدم رأفت على آخر الزمن يبقا مهزوز كده قدام الناس بسببك يا شيرين!! أنا هاوريكي حاضر!" توعد مفكراً ولم يستطع إلا أن يهاتف الرجل الذي حدثة منذ أيام مضت


"عملت ايه في موضوع الـ passport اللي كلمتك عليه.. ممم.. تمام.. ومفيش أخبار عن شيرين؟" سأله وكاد قلبه أن يفر من صدره لزيادة ضرباته المتسارعة


"لندن!!.. بس دي كانت في روما.. تمام تمام! شكراً!"


لم يصدق ما سمعته أذناه، لابد وأنها تحركت من روما بقطار او بوسيلة برية إلي بلد آخر ومنها إلي لندن!! ألهذا الحد هي تريد الفرار منه؟ ولكن لا، ليس آدم رأفت من يستسلم بسهولة! جلس يومها يفكر ويفكر كيف ستكون أول مقابلة لهم، وأين عساها أن تكون؟ وماذا تفعل؟! أيُراقبها أولاً أو يذهب لها على الفور!!


"يخربيت كده يعني هي لندن دي اوضة وجنينة؟! وحبك تدريس تاني، يعني سابتني عشان الشغل ولا بتخدعني ولا ليه أصلاً عملت كده؟أنا عملتلها ايه لكل ده؟! ماشي أنا هوريكي وهخليكي تندمي على عملتك السودة دي! ورحمة أبويا ما هتستجري بس تفكري تعمليها تاني"


فكر بينما أعد حقيبته ثم نظر لها ولم يدري ماذا عليه أن يفعل.. هل يبحث عنها بنفسه أم يعين أحداً بدلاً منه.. لم يستطع أن يتحمل غيابها أكثر من ذلك وشعر أنه بحاجة لبعض من النصح فلم يُفكر إلا بزينة فحدثها


"زينة"


"آدم Are you Okay؟" ما إن سمعته يهمس بإسمها هكذا إلا وشعرت أن هناك شيئاً كما أن صوته كان مختلفاً


"أنا لاقيتها" أخبرها بإقتضاب وخفقات قلبه تسارعت بشدة


"لقيت شيرين؟ Seriously! ازاي لاقيتها ولا هي جت ولا ايه حصل؟"


"لا هي متعرفش حاجة، أنا لاقيتها في لندن" اجابها في وهن


"لندن!!" صاحت متعجبة وأكملت "بتعمل ايه هناك؟"


"بتدرس ادارة أعمال أظن.. مش عارف ادور في الجامعات ولا ابعتلها حد ولا اروح أنا.. ولا ممـ.." تردد وهو لا يدري حقاً ما الذي عليه فعله


"آدم!!" صاحت به مقاطعة اياه "أنا مش هاقدر اتخيل أنت عامل ايه Now! وبردو أكيد حاسس بحاجات كتيرة بس I don't know anything about it عشان أنا عمري ما اتحطيت في الموقف ده، وعارفة إنه صعب عليك اوي.. بس لازم تهدا الأول عشان تعرف تفكر صح! ممكن تهدا Please عشان خاطري؟"


"حاضر هاحاول بس أنا.."


"لاهتهدا الأول وأنا هقولك تعمل ايه" قاطعته ثم أخبرته بالتفصيل بما عليه أن يفعل


::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


لم يُصدق أنه يفصله سويعات عن رؤيتها، حتى ولو من بعيد فسيراها، سيرى ماذا تفعله، سيراها وهي تفعل كل شيء، لن تغيب عن نظره ولو لثوانٍ معدودة. بعد معرفة أنها تعمل بأحدى أنجح الجامعات كينجز لندن لم يُصدق أنها أستطاعت أن تفعلها وبمفردها، عرف مواعيد محاضرتها وقرر أن يراقبها من بُعد أولاً ثم سيتبعها لمنزلها ثم سيذهب لها باللحظة المناسبة.


وما إن وصل حتى بدل ملابسه بسرعة وحاول أن يرتدي وشاحاً صوفياً حول رقبته ورفعه قليلاً ليداري ملامحه حتى لا تلاحظه وكذلك ارتدى قبعة رمادية وتوجه مسرعاً للجامعة وسأل عن أقرب بوابة لكليتها وانتظر لأن يراها، تذكر كل ما أ خبرته به زينة وحاول ألا يتصرف أو أن يفقد سيطرته دون أخذ ما أخبرته به في الحسبان.


أنتظر منذ السابعة صباحاً ورآها تدخل في الثامنة إلا دقائق وفي تلك اللحظة شعر كأنما توقف الوقت من حوله بالرغم من أنه رآها لثوانٍ فقط وكم تمنى أن يهرع إليها، يسألها هل أنتي بخير، تمنى أن يحتضنها أو أن يختطفها حتى لو كلف الأمر ولكنه أوقف نفسه وحاول السيطرة على أعصابه وتمتم "هانت.. هانت اوي يا شيرين، بس ساعتها مش هاسيبك تغيبي عني ولو ثانية واحدة"


ظل منتظراً خارج أقرب بوابة وبالكاد كبح جماح غضبه كلما مرت الدقائق ولم يُصدق أنها خرجت بعد ما قاربت الساعة من التاسعة مساءاً وكانت تحمل العديد من الكتب والمراجع وأشياء أخرى..


أبقى بينهم مسافة وظل يتابعها حتى وجد رجل يلاحقها بالسيارة فكاد أن يذهب إليه ويبرحه ضرباً ولكن رأى شيرين تتحدث معه كمن تعرفه ثم ابتسمت له برسمية وأكملت طريقها فعقد حاجبيه ولم يعجبه ما يراه ولكنه ظل يتابعها..


انتظرت بالمحطة ثم استقلت احدى الحافلات العامة فتبسم بسخرية وصعد بينما احكم الوشاح على رقبته وجذب القليل على فمه وتأكد من تثبيت قبعته على رأسه وكان يلعن تحت أنفاسه ألا تلاحظه وبالفعل تمكن من الجلوس خلفها دون أن تراه فقد كانت منشغلة بشيء ما على هاتفها.


لم يشيح بنظره ولو لثوان عنها فوجدها تنظر خارج النافذة بحزن وتطلع كل مكان تمر به ولكن يبدو أنها كانت شاردة فتبسمت بحزن وإنكسار ولكن لا يدري لما تفعل ذلك ففكر متمتماً "يا ريت بس أقدر أعرف بتفكري في ايه وايه اللي مضايقك كده".


وما إن توقفت الحافلة بمحطة بساوثورك نزلت شيرين فتبعها وحملت ما معها من أشياء ووضحت المشقة عليها.


"يوووه! أنا ليه عنيدة وصممت أشيل كل البلاوي دي، يا ريتني بس كنت وافقت إن خالد يوصلني البيت! صحيح أنا شخصية معقدة من الرجالة وغبية، استحملي بقا يا ست الـ Strong Independent Woman"


فكرت بحنق وظلت تسير حتى منزلها وبعض الهواء عبث بشعرها الفحمي فتساقط على عيناها فلم تستطع أن ترى أمامها فبحركة عفوية حاولت أن ترفع خصلاتها فسقطت المراجع من يدها ولم يساعدها أحد لحملها


"بتعملي ايه بس يا غبية أنتي!!" تمتم آدم في غضب ثم لحق بها...


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::


© 2019 by Batoul

 الفصل التالى إضغط هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-