الفصل السابق
روايه افترقناولكن
للكاتبة بشري
الفصل الثالث
جلس على طاولة الطعام يحاول إبعاد منظرها شبه عارية من أمام عينيه لقد اهتز كليا واستيقظت جميع خلايا جسده ثائرة تطالب بأخذها شريكة فراش في الحال .. مسح وجهه بيده يستشعر حرارة جبينه يشعر بإرتفاعها مع اضطراب أنفاسه .. سمع خطوات أحدما ينزل من الدرج رفع وجهه عن الصحف التي يتظاهر بقرائتها .. منتبها ليرى من .. ولم تكن سواها زوجته مع وقف التنفيذ .. رآها تنزل بهدوء وبطء خافضة رأسها ترتدي فستانا بيتيا أزرقا واسعا وحجابا سماويا .. أخذ يتفحصها كأنه لأول مرة يراها .. رفعت رأسها وهي تشعر بنظرات شخص ما لتتقابل عيناها مع عينيه وهو ينظر لها ببرود وكأنه ينظر لشيء تافه لا يستحق أي إهتمام .. وقد إستطاع بجدارة إخفاء إشتعاله بها عنها وتلبس باللامبالاة وهي أبعد ما يكون عما يشعر به الآن .. هربت بعينها سريعا عن خاصته وإحساس بالقهر يداهمها .. لأي درجة هو ظالم !
واصلت نزولها واتجهت للمطبخ بصمت .. وهو لازال يفترسها بنظراته التي تغيرت تماما عندما تركت عيناها عينيه الفضوليتين .. وقد أطلق صراح خياله ليذهب به بعيدا أبعد مما يمكن أن تتخيل تلك البريئة زوجته .. حتى أخرجه صوت أخيه ينزل الدرج بسرعة ويتجه للمطبخ مبتسما .. رفع حاجبه مستغربا ومتسائلا : منذ متى ينزل سامر قبل تجهيز السفرة والنداء عليه عشرات المرات .. ومنذ متى يدخل المطبخ .. ترى ماذا يريد وكيف سيتصرف مع رنا
.
.
.
تقدم إلى المطبخ متجاهلا أخيه الجالس امامه يقرأ بعض الصحف يغضبه إستسلامه لأوامر أمه مهما كانت دون نقاش .. يرى في زواجه من رنا ظلما كببرا لكليهما .. وشيء ما إحساس ما داخله يخبره بأن هذا الوضع لن يدوم طويلا .. دخل سامر المطبخ مبتسما يبحث عنها بعينيه وجدها تغسل إبريق الشاي لتجهيزه .. اقترب منها محدثا صوتا بأقدامه لتنتبه له .. التفت نحوه .. لتهديه إبتسامة صافية فاقمت إحساس الذنب وتأنيب الضمير لديه .. اقترب أكثر مبتلعا غصة مريرة وهو يرى المفرش الذي نامت عليه بجانب باب المطبخ .. ثم تحدث قائلا :
_ صباح الخير رنا
لتجيبه بعد أن عادت لإكمال عملها : صباح الخير سامر
_ هل أساعدك
_ نعم .. قل لي ماذا تفطر أنت وخالتي مريم وتيم
_ حسنا أنا أشرب قهوة تساعدني على التركيز .................
وحكى لها كل ما يحبونه وهي تستمع إليه بإنتباه وحالما إنتهى أسرعت لتنفيذه .. وساعدها سامر بتقشير و تقطيع الخضار .. وظل يمازحها محاولا التخفيف عنها .. وبعد نصف ساعة كان كل شيء جاهز فبفضل خبرتها ومساعدة سامر قد انتهوا سريعا .. ليخرج معها الأطباق ويضعهم على السفرة .. التي جلست عليها مريم منذ لحظات وقد أغضبتها مساعدة سامر لرنا ووقوفه إلى جانبها لذا نادته بصوت غاضب آمر لا يقبل النقاش قائلة :
_ ولد .. اجلس
نظر لها فوجد عينيها مشتعلتين غضبا وغيظا فآثر الصمت والرضوخ لأمرها تفاديا لمشاكل هم في غنى عنها .. خاصة أنها من الممكن أن تضر تلك المسكينة رنا .. عادت رنا تحمل صينية بها فناجين القهوة ووضعت لكل شخص قهوته كما أخبرها سامر أنه يحب .. لتهم بالعودة للمطبخ ثانية إلا أن نداء سامر أوقفها :
_ رنا تعالي اجلسي
ثم أشار للكرسي الذي بجانبه وأرجعه إلى الخلف قليلا .. نظرت له أمه بغضب لو كانت نظراتها تحرق لأردته رمادا .. بينما ذلك المشتعل الذي أمامه كاد يخنقه وهو يراه يشير لزوجته بالجلوس بجانبه ألا يكفيك أنك شاهدتها تطبخ وبقيت معاها بالمطبخ وكنت أستمع لضحكاتك .. كانت تضحكك تلك ال .. لا أعلم مذا أقول عنها ولا لها كل هذا بسببي أنا أنا المذنب ..
نظرت رنا لسامر بريبة فهي تعلم أن أمه لن توافق أن تجلس معهم ولا تدري لما رفعت بصرها نحو ذلك البارد زوجها لكنه ولو أول مرة ترى في عينيه شيء ليس اللامبالاة أو البرود .. لا رأت غضبا كبيرا .. أيكره جلوسها معهم لهذه الدرجة .. لدرجة أن يغضب من أخيه لأنه طلب منها الجلوس معهم .. لقد خدعت فيه كثيرا .. يا لها من حمقاء
ما كادت تخطي بقدمها نحو المقعد حتى أتاها صوت حماتها المجلجل قائلة :
إلى المطبخخخخخخ
التفت رنا راكضة نحو المطبخ ودموعها تسابق قدميها قهرا وظلما .. ببنما بقي الإثنان ينظرون لأمهم بذهول في حين أن الأخيرة تتناول فطورها وكأن شيء لم يكن .. نظر سامر لأخيه تيم بخيبة أمل .. للأسف كل يوم يتأكد من كونه جبانا كل يوم يفقد بعضا من إحترامه له .. نظر لأمه وهو يحمل طبقه ووقف ثم قال :
_ أنت ظالمة جدا يا أمي
وانصرف عنهم بهدوء نحو المطبخ .. لثواني عم الصمت ومريم تنظر لأثر سامر بذهول لم يخرجها منه إلا صوت خطوات تيم مبتعدا عن المائدة صاعدا مع الدرج
في المطبخ وجدها تجلس على كرسي صغير تبكي بصمت وشرود .. اقترب منها بهدوء وهو لا يعلم حقا ماذا يقول .. كيف يخفف عنها وأمه تزداد تجبرا وظلما .. وقف أمامها وهمس :
_ رنا
لم تجب فرفع صوته وهو يضع طبقه على طاولة المطبخ أمامها :
_ رنا .. رنوش
مسحت دموعها بظهر يدها ووقفت تتجه نحو الثلاجة ..
_ رنا لم تتناولي شيء أرجوك افطري
_ لست جائعة
_ لا أرجوكي اجلسي معي تعالي
ومع تصميمه لم تستطع أن ترفض وعادت تجلس على الكرسي الصغير .. سارع سامر إلى الطاولة وسكب لها كوبا من العصير الذي أعدته قبل قليل ثم قرب منها طبقا صغيرا به حبات من زيتون وآخر به الجبنة ووضعهم أمامها ثم ألتفت إلى الثلاجة أخرج منها بيضات ثم اتجه إلى الغاز وقلى لها بيضتين بسرعة وسلق أخريات .. بينما رنا تنظر له بإمتنان وشكر لوقوفه بجانبها .. دقائق ووضع الأطباق أمامها مشيرا لها بأصبعه بتهديد :
_ انهيها كلها حالا وإلا
ابتسمت وشرعت بتناول فطورها بصمت فمهما حدث يجب أن تتغذى جيدا لتستطيع مواجهة القادم الذي هي متأكدة أنه لن يكون جيدا رغم دعائها وتوسلها لله أن يساعدها على تخطي هذه الفترة الصعبة والخروج منها بأقل الخسائر .. بينما سامر قرب طبقه منه وبدأ بالأكل منه ببطء وهو شارد في أفكاره : إلى متى ستبقى هذه المسكينة هكذا كيف أساعدها كيف أقيها شر أمي .. إلهي ساعدني
عم الصمت بينهم لدقائق حتى انتبهوا لصوت الأقدام القادم من باب المطبخ ليرفعوا رؤوسهم ليرو القادم ولم يكن سواها مريم .. التي اقتربت منهم تنظر لهم بغير رضى وبداخلها تحيك أمرا لأبعاد سامر عن رنا يجب أن تجعله ينبذها كما تستحق .. توقفت على بعد خطوات منهم ثم تحدثت بغرور رافعة أنفها بتعالي قائلة :
_ اذهبي وحضري نفسك فعائلتك ستصل قريبا
وبدون أي كلمة صعدت رنا للأعلى .. ضغطت على مقبض البال ودفعته بهدوء دخلت بتوتر وهي تتفحص الغرفة وجدته مستلقيا على السرير يضع ذراعه فوق عينيه يحجب عنهم الرؤية ويبدو هادئا كما لو أنه نائم .. تنهدت بإرتياح واقتربت ببطء من حقيبة ملابسها أخذت فستانا ورديا جميلا وحجابا يناسبه ودخلت الحمام وهي تفكر كيف ستأخذ حماما سريعا يخلصها من رائحة الطبخ التي علقت بها دون أن تستغرق الكثير من الوقت .. أغلقت الباب وبدأت بخلع ملابسها ..
وهناك على السرير اعتدل جالسا حالما سمع صوت غلق الباب .. أحس بحرارته ترتفع والأفكار تدور وتتصارع داخله : ماذا لو خرجت لي كما رأيتها صباحا .. لا لن أحتمل وسأهجم عليها وليحدث ما يحدث .. لا لا يجب أن أذهب لن أستطيع السيطرة على نفسي إنها رائعة الجمال بل فاتنة .. سأصبر حتى أجد حلا يجب أن أجد حلا قريبا يجب أن أنزل الآن للأسفل
نزل من الدرج وجلس مع والدته التي كانت تقرأ إحدى المجلات .. اعتدل في جلسته وهو لا يعلم كيف سيحدثها بأمر رنا هو لن يرضى أن يظلمها أكثر خصوصا أنه أصبح يرغبها بشدة زوجة فعلية .. ولا سبيل لذلك مادامت أمه لا تعتبرها زوجة له .. يجب أن يصلح بينهما ويحاول إصلاح خطئه وتغيير نظرتها عنه فلابد أنها الآن تحتقره وتكرهه .. نظر لأمه بتركيز وهي منشغلة بالقراءة وقدم رأسه للأمام كرغبة منه في التحدث بصوت منخفض وبتوتر قال :
_ أمي أري....
قاطعه صوت دق الجرس ليقف مبتعدا عنها قاصدا الباب ليفتح عن الطارق وكانت خديجة حماته وريماس ابنتها ثم صفاء شقيقة خديجة .. رحب بهم تيم وأفسح لهم الطريق ليدخلن .. وقفت مريم تصطنع الفرح واقتربت منهم تعانقهم وتهديهم القبلات وتردد عبارات الترحاب .. جلسن سويا بعد السلام .. سألت خديجة موجهة كلامها لتيم. :
أين رنا
تغير ثيابها
أجابها بهدوء مبتسما .. نظرت له مريم بمعنى "أحسنت " وابتسمت خديجة بارتياح .. لحظات وسمعوا صوتها تنزل من الدرج رفع تيم نظره إليها وجدها جميلة لا بل رائعة الجمال أكثر جمال مما رآها به بفستان الزفاف وحتى بالصباح يبدو أنه كل مرة يراها أجمل وأجمل .. لكنها الآن تبدو متعبة رغم إبتسامتها العذبة ونظرتها الحنونة ورقتها في السلام تبا له فهو المسؤول عن كل ذلك .. اتجهت لأمها تعانقها بحرارة وكم تمنى هو أن يحصل على عناق كهذا منها .. تخطتها لخالتها ثم لشقيقتها ريماس وفي لحظة طيش منه وقف بجانب ريماس عله يحظى بعناق هو الآخر ضحكت خديجة بشدة وغمزت لمريم التي تفاجأت لكنها داركت الموقف بإبتسامة واسعة .. انتبهوا جميعهم على صوت صفاء خالة رنا والتي بدا أنها كانت تتباع الموقف من البداية وقالت بمرح تمازح تيم :
_ ألم يكفيك الليل كله تريد معانقتها الآن أمامنا
أحمر وجه تيم خجلا ولم يستطع المكوث معهم اكثر وتحجج بأنه يرغب بإجراء إتصال يتعلق بعمله ثم ذهب بسرعة .. يلوم نفسه ويصفعها داخليا كيف فعلت هذا كيف ضيعت هيبتك متى أصبحت طائشا لهذه الدرجة تقف بجانب ريماس أملا في أن تخطء رنا وتعانقك .. منذ متى تتبع مشاعرك لهذه الدرجة .. كفى جنونا وتهورا استيقظ وعد لرشدك ماهذا الذي دهاك . علا صوت آخر داخله .. كفى إنكارا تيم أن تميل لها .. بل تهيم بها منذ خطبتها وأنت تفكر بها لكنك تخاف نعم أنت خائف خائف من أن لا تحبك أن لا تسامحك .. لكنك تحبها .. أجل أنت تهواها وعليك تصحيح الوضع قبل أن يضيع كل شيء من يديك ..
في الجلسة النسائية وبعد المباركات والتهنيئات .. وقفت مريم واتجهت للمطبخ لتتركهم براحتهم فتلتفت خديجة لرنا ما إن تركتهم :
_ هل كل شيء بخير
أخفضت رنا رأسها أرضا مدّعية الخجل وفي الحقيقة كانت تخشى أن تكشفها نظرات أمها المتفحصة وهي التي لا تحب الكذب عليها ولا تلجأ إليه إلا للضرورة .. ثم أومأت لها ببطء .. اقتربت منها خديجة أكثر ورفعت رأسها وقبلت جبينها بفخر :
_ ارفعي رأسك بنيتي عاليا ولا تخفضيه أبدا
ابتسمت لها ولم تعلق في حين صدمها سؤال خالتها :
_ ماذا فعلتما
شهقت خديجة وضربت صفاء على كتفها موبخة :
_هل جننت صفاء ماذا تقولين
_ ههههههههه أمزح كنت أمزح من الطبيعي أن نمازح العروسين
_ مزاحك ثقيل كطبعك
_ أمي معاها حق أنا أيضا أريد أن أعرف ماالذي فعلوتوه .. ها قولي أختي
صدمت رنا وخديجة في حين ضحكت صفاء :
_ سأقول لك أنا يا حبيبة خالتك سأقول لك كل شيء عندما نذهب
_ صفاء ابتعدي عن بناتي
_ بناتك خائبات مثلك دعيهم لي وسأعلمهم من الحيل والكيد ما يضمن مستقبلهم
_صفاء أرجوكي اهدئي هذا خطئي أنا ما كان يجب علي إحضارك
تقدمت منهم مريم تحمل صينية بها أكواب عصير وكاسات الشاي .. ووضعتهم على الطاولة الصغيرة .. وبعد وقت قصير وقفت خديجة بنية المغادرة متحججة بموعد رجوع أبنائها من جامعاهتم .. ودعت مريم وذهبت رنا معها عانقتها عند الباب وهمست لها :
_ الصبر بنيتي الصبر ثم الصبر ثم الصبر ثم الصبر تحلي بالصبر . . كوني متفهمة وعاقلة .. أنت أول كنة بهذا البيت وذلك يعني مسؤولية كبيرة وإلتزاما .. حافظي على زوجك وطاوعيه فيما يرضيه .. كوني له أرضا يكن لك سماءا .. كوني له أمة يكن لك عبدا .. لا يرى منك إلا ما يسر عينه ولايشم منك إلا ما يحب .. أعلم اني قلت لك هذا ليلة زفافك لكني أعلم أنك كنتي معي بنصف او ربع عقلك وإنتباهك لأنك كنت خائفة ومرعوبة ككل الفتيات .. شيء آخر بنيتي لا تنسي أنك تمثليننا أنا وأباك وعائلتينا أيضا .. عامليهم بما يحبون وليس بما يستحقون وابتسمي دوما .. أحبك ابنتي كثيرا وفخورة بك دوما .. اتصلي اذا احتجت أي شيء ولا تخرجي من دون إذن زوجك .. أطيعيه وأصبري ..
ثم غادرت .. وقفت رنا تنظر لهم لعدة دقائق ودموعها تملأ وجهها تتمنى لو تركض وتلحق بهم .. تمنت أن تتشبث بأمها ولا ترضى بتركها .. تمنت البوح لها بالحقيقة كاملة والعودة معها للببت لكنها لا تستطيع لن تكون أنانية وتدمر سمعتهم لن ترتاح حينها عليها مواجهة قدرها مهما كان .. استنشقت الهواء بعمق تنعش رئتيها ثم أغلقت الباب وعادت للداخل تفاجأت بالأرضية بخط طويل شديد الإحمرار بقارب السواد وقد تضررت منه سجادتين يدخل ممتد ما بين المطبخ وصالونهم الذي كانوا يجلسون به اتبعت رنا الخط حتى وقفت أمام المقاعد لتنظر بصدمة لحطام كاسات الزجاج المتفرقة وسكب بقايا الشراب على السجادة الكبيرة الفخمة ومريم تقف بغرور وتنظر لها بكره بيدها كأس عصير التفاح الذي كانت تحتسيه ريماس وفي ثانية غطّى صدر رنا لتشهق بصدمة ..
أما مريم فنظرت لها بشماتة وإستعلاء ثم رفعت الكأس وتركته يسقط على الأرض ويتهشم لأشلاء وابتعدت عن رنا قائلة :
_ نظفي هذا حالا وأعدي الغداء ريثما أجهز لك اشياء اخرى
واتجهت للدرج ومنه لغرفتها .. بينما رنا متجمدة مكانها تأخذ أنفاسها بقوة .. ثم مالبثت أن خرجت للمطبخ تبحث عن أدوات النظافة مستسلمة لواقعها وبعد أكثر من ساعة استطاعت أخيرا تنظيف السجادة بعدما عانت الأمرين منها حملت أدواتها واتجهت للمطبخ بتعب تنظر لأثر تنظيفها برضا أخذت كوبا من الماء وشربته دفعة واحدة واسندت على الجدار وهي تلهث .. دخل سامر المطبخ ثم اقترب منها متسائلا :
_ رنا هل أنت بخير ما بك
_ بخير .. بخير
_ لا لا تبدين كذلك .. تعالي اجلسي
وقرب منها الكرسي الصغير لتجلس عليه بهدوء .. أولاها ظهره وفتح الثلاجة أخذ عصيرا سكب لها منه كوبا ومد لها يده به آمرا :
_ تناوليه تبدين مرهقة سسياعدك
أخذته وشربت منه القليل أخذه منها وأمهلها دقائق حتى ترتاح وبقي صامتا
هل أنت بخير
نعم أخبرني ماذا تأكلون على الغداء
لا تهتمي سأطبخ أنا
لا لا يمكنني أن اطبخ لا أريد أن أسبب لك مشاكل
لا تقلقي لن يعلم أحد ستساعدينني وتبقين معي لن يعرفوا من الذي طبخ
لا لا أريد
لا شأن لك رنا أنا من سيطبخ أنت اجلسي وارتاحي وغدا تطبخين كما تردين
لكن لاشك أنك متعب كنت في الخارج للتو
لا تقلقي علي انا رجل يمكنني أن أفعل أي شيء أنا قوي
ابتسمت بإمتنان وداخلها تمنت لو كان رجلها مثله ليت سامر كان هو الكبير. . يا حظ زوجته به
بعد وقت جهز الغداء وانصرف سامر عنها بعد ان فهمها كل شيء وترك عليها تزيين السلطة وصب العصير والماء وذهب لغرفته يأخذ حماما سريعا .. انهمكت رنا بصنع ما ترك لها سامر حتى سمعت صوت مريم من خارج المطبخ :
_ أين الغداء
شكرت في اعماقها سامر كثيرا فلولاه لما كانت أنجزت شيئا فهو سريع جدا وماهر .. جهز صينية كبيرة وضعت بها عدة أطباق وخرجت بهم نحوهم ثم وضعت على السفرة أمام مريم وتيم .. الذي نظر لفستانها باستغراب وصدمة من ان تكون امه هي من لوثت فستانها .. فهي لم تجد الوقت لتغييره .. عادت لمطبخ وحملت عدة اطباق أخرى وكؤوس الشراب في ذلك الوقت نزل سامر من الدرج واقترب منهم كانت لازالت تضع الطعام لهم وله أخذ منها الصينية وحمل عليها طبقه وكأس الماء الخاص به ثم تقدمها قائلا :
_ تعالي رنا سآكل معك فللأكل معك طعم آخر
ابتسمت له بإمتنان .. إبتسامة لم تخفى على تيم وقد أحرقت قلبه .. فقبض يده بقوة حتى برزت عروقها ووسواسه يأمره بالذهاب لسامر وإبراحه ضربا لأنه نال ابتسامة منها .. أخذ نفسا طويلا عله يهدأ ورغبة اجتاحته في تذوق طعامها ترى كيف سيكون لابد أن يكون لذيذا مثلها .. أخذ ملعقة من طبقه ومضغها ببطء مستلذا بطعمها لكنه كاد أن يموت والطعام توقف في حلقه عندما تيقن أن هذا طبخ سامر لا يمكن أن يخطء طعمه أبدا .. سعل بقوة وأخذ الماء من يد مريم التي قلقت عليه لدقائق بقى يسعل حتى استطاع السيطرة على تنفسه ثم تذوق الطبخ ثانيا ليجزم أنه طبخ سامر .. فتعالى غضبه .. إذا تطبخ عنها يا سامر وتتناول معها الطعام .. له طعم آخر .. لكنك المخطء تيم أنت المخطء لو كنت رجلا معها لما احتاجت لآخر سامر شقيقك الأصغر أرجل منك . .وقف مبتعدا فلم يستطع المكوث أكثر تناول مفاتيح سيارته ثم غادر البيت
.
.
.
بالمطبخ كانا يتناولنا طعامها بهدوء وسامر يحدثها عن دراسته وبعض هواياته كالعزف والشطرنج وعن معلمه الأول والذي لم يكن سوى تيم زوجها ! ..
ظلت تستمع له بانتباه وتلاحظ التقارب بين شخصيته وشخصية أخيها أدهم مع تقاربهم العمري .. أنهو طعامهم وقامت رنا بجلي الصحون وإعداد القهوة لهم بينما أخذ سامر حاسوبه وفتحه يتصفح بعض الصفحات الإجتماعية .. وضعت امامه كوب القهوة .. وخرجت قاصدة طاولة الطعام .. التي لم يكن عليها أحد حملت الأطباق عائدة بهم للمطبخ ولاحظت أن تيم لم يأكل طعامه .. وضعتهم على طاولة المطبخ ثم عادت لأخذ البقية وجدت حماتها تنزل من الدرج لم تعرها إهتماما وانحنت تأخذ بقية الأطباق حتى سمعت صوتها :
من حسن حظك أني استاجرت خادمة لتنظف البيت قبل الزفاف لذا لن تنظفيه الآن .. لكن لا ضير في أن تغسلي الثياب المتراكمة بسلة الغسيل .. هيا بسرعة
اكتفت بإيمائة بسيطة وواصلت رفع الأطباق عن الطاولة ووضعهم على الصينية ثم حملهم إلى المطبخ .. وجدت سامر قد أبعد حاسوبه عن وجهه ونظر لها قائلا :
_ تعالي اجلسي وتناولي معي القهوة
_ سأشربها لاحقا
باشرت عملها حتى أتمت غسيل الأطباق والمعالق ورصها بشكل منظم ومتناسق .. واتجهت للخروج حتى أوقفها صوت سامر الذي قال :
_إلى أين
_ لدي بعض الأعمال سانجزها واعود
_ أعمال .. أعمال مثل ماذا
_ سأغسل بعض الثياب
تنهد وبدا عليه الغضب وقف واقترب منها : رنا أريد أن أسالك لماذا
لماذا ماذا
_ لماذا لم ترفضي لماذا لا تطالبين بالطالق
سحبت الهواء بعمق وهي تستند على طاولة المطبخ بيدها ثم نظرت له بحزن وقالت :
_ لا أستطيع .. لا استطيع العودة لهم صباح يوم زفافي ولا حتى في اول فترته الألسن لن ترحمني ولن ترحم عائلتي
_ سأقف معك واشرح لهم
_ لا سامر لا أريدك أن تعادي أسرتك بسببي ومهما فعلت فإن المجتمع لن يرحمني ولا عائلتي
_ لكن ...
_ لا عليك سامر يكفيني وقوفك بجانبي ودعمك لي سأذهب الآن
وقف للحظات ينظر لمكان وقوفها فارغا ويتمتم بداخله : يالك من أحمق تيم أن تضيع جوهرة غالية من يديك
التفت إلى حاسوبه يأخذه ثم خرج من المطبخ صاعدا لغرفته .. بينما رنا اتجهت للحمام بالطابق الأرضي والذي لايستخدم كثيرا فلكل غرفة حمام خاص بها والحمام الأرضي كبير في جانب منه ماكينة الغسيل وبجانبها أكوام كبيرة من ثياب مختلفة الألوان نظرت لهم رنا بتعب فهي تجزم انها لن تنتهي قبل موعد العشاء ولن تحصل على قسط من الراحة .. بدأت بعملها بتنظيم الملابس حسب الألوان ووضعت كل لون على حدى حتى لا تخلط الألوان بالغسالة وبدأت بتعبئتها بالماء
مرت الايام وكل يوم تتفنن مريم بإيذاء رنا وإهانتها ومضاعفة الأعمال لها بتخريب وتوسيخ كلما هو نظيف .. وإرسالها للتسوق وإبتياع اشياء كثيرة ولومها وتعنيفها إذا ما أخطأت بشيء .. ورنا صامتة راضية تتمنى أن يمضي الوقت سريعا وتستطيع طلب الطلاق و العودة لأهلها .. أما تيم فكل يوم كان إحساسه بالذنب يكبر وتانيب الضمير يؤرقه حتى أنه لم يستطع المكوث معهم وانتقل لشقته التي كان يجهز واكتفى بزيارتهم من وقت لآخر رغم شوقه لرنا إلا أنه لا يملك وجها لرؤيتها وهو السبب الأول بعذابها .. اختار ان يبتعد عله يجد حلا يخرجهما مما فيه .. ورغم غضبه في أغلب الأحيان من أخيه سامر والذي اكتشف أنه يغار منه إلا أنه يطمأنه على وجود شخص داعم ومساعد لرنا في وجه كراهية أمه لها ..
كان سامر طوال هذه الفترة قريبا من رنا مساعدا لها وتوطدت صداقتهم كثيرا ..
وفي يوم من الأيام كانت العائلة جالسة على المائدة وقت الغداء ورنا تتقدم بصينية الأطباق نحوهم وتيم يسترق لها النظرات دون ان تنتبه إلا ان سامر كان منتبها له .. اقتربت منهم تضع الطعام فأبت مريم إلا أن تهينها وهي تتحدث مع تيم قاصدة إذلالها :
_ هل جهزت شقتك بني متى ستحضر لها زوجة جميلة تليق بك
ورغم قساوة حديثها وتفاجأ أولادها منه إلا أن رنا لم تتفاعل ولو برمشة عين فهي لم تعتبره زوجا من الأساس هو مجرد وسيلة سجنتها بها مريم وتتمنى الفكاك والهروب منه ومنها في اسرع وقت .. نظر لها سامر بقلق من أن تكون أمه نجحت في إحزانها وإيلامها لكن سرعان ما ارتاح عندما وجدها هادئة غير مهتمة .. في حين خاب امل تيم الذي تمنى رؤية أي تعبير يدل على رفضها او غضبها مما سمعت لكن على ما يبدو فإنها لا تهتم له إطلاقا ..و كم احزنه ذلك وجرح كبريائه .. أنهت وضع الاطباق ثم عادت للمطبخ بهدوء
عندما ابتعدت تحدث سامر وهو يجاهد ليسيطر على غضبه قاىلا :
_ هل صحيح أنك تنوي ان تتزوج
_ لا إطلاقا
تنهد سامر بإرتياح وكان دور تيم هذه المرة ليسال :
لماذا قلت ذلك
_ لا شيء فكرة خطرت ببالي فقلتها
_ أمي أرجوك كفي عن مضايقة رنا .. ارجوك مر أكثر من شهر وأنت تعاملينها بسوء وتهينها ضميري بات يؤنبني بشكل لايطاق يخطر ببالي كثيرا أن أذهب بها إلى شقتي ونسكن هناك
_ اجل أخي افعلها صدقني زوجتك طيبة جدا ولا تستحق ما فعلته بها
صفقت مريم مذهولة بكلام ولديها ثم قالت :
_ رائع جدا يبدو أن هذه الحثالة استحوذت على عقليكما
ثم وقفت واتجهت للمطبخ وأمرت رنا بجلب شيء لها من الخارج كي لا تسمع كلامهم فتشعر بأنها فازت عليها .. خرجت رنا من المطبخ ثم من البيت تحت نظرات تيم القلقة وهو لايعرف لما يشعر بشيء سيء ويخاف عليها بشدة .. عادت مريم تجلس معهم إلا أنه لم يستطع البقاء أكثر وانصرف
وقف عند باب البناية وهو لا يعلم أين يمكن أن يبحث عنها فهو لا يعرف أي طريق سلكت ولا إلى أين ذهبت .. تبع أغلب ظنونه بان تكون ذهبت للمتجر الذي على رأس الشارع .. سارع بخطواته قاصدا ذلك المتجر وما كاد يصل إليه حتى رآها تخرج حاملة بعض الأكياس وقف ينظر لها بحب وبإبتسامة راحة علت ملامحه لرؤيتها بخير عاد خطوتين للوراء ينتظرها حتى تقترب منه بينما كانت هي تقطع الطريق متجهة للرصيف الآخر لتمشي عليه وبوسط الشارع نادى عليها صاحب المحل :
_ رنا ابنتي
التفتت له وعادت خطوة واحدة لتشعر بنفسها ترتفع عاليا ثم تصطدم بشيء قوي ثم فقدت الوعي .. أما هناك تجمد هو مكانه وهو يرى السيارة تصدمها لتسقط بقوة على جانبها الأيمن فاقدة الوعي وتتجمع الناس حولها ...